تنفرد “الشرق” في هذا الملف الخاص “شيشان الأردن: رؤيا قادت إلى الهجرة” بنشر تفاصيل ووقائع تُكشَف للمرة الأولى عن شيشان الأردن، هذه العائلات التي فرت بدينها من بلاد القوقاز في نهايات القرن التاسع عشر بعد تزايد نشاط الثورة البلشفية قاصدةً الأراضي الإسلامية المقدسة في مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة قبل أن تجبرها وعورة الطريق وأسباب أخرى على الاستقرار في الأردن كوطنٍ بديل. وفي الحلقة الثالثة ترصد “الشرق” طبيعة العلاقات التي تشكلت بين المهاجرين الشيشان والعشائر الأردنية على مدار العقود الماضية ودور الشيشان التاريخي في حماية أحد أبرز شيوخ العشائر الأردنية، وهو الشيخ حديثة الخريشة، من العرض على والي دمشق بعدما غَضِب الأتراك عليه، وكان ذلك في عام 1907. كما تكشف حلقة اليوم من الملف تفاصيل نادرة عن وقائع تاريخية، منها استيعاب شيشان الأردن للاجئين الفلسطينيين بعد النكبة، ويتناول الملف أيضاً مراحل تأسيس المهاجرين الشيشان لمدينة “صويلح” وبلدة “الأزرق” في الأردن. الشيشان الأردنيون تكفّلوا بحماية الشيخ حديثة الخريشة وحالوا دون تسليمه لوالي دمشق استقبلوا اللاجئين الفلسطينيين في منازلهم في سنة النكبة.. واستوعبوا أسر الشركس أصدروا وثيقة مدنية في 1911 لتنظيم العلاقات الاجتماعية وتقسيم عوائد الزراعة عندما وصل الشيشان أول مرة إلى الأردن واستقروا في نهاية الخط الحجازي في الزرقاء، كان أول بناءٍ شيدوه هو مسجد الشيشان الذي لا يزال قائماً حتى اليوم، وعندما أنشؤوا مدينة صويلح بعدها بأعوام كان أول بناءٍ شيدوه فيها هو مسجد صويلح، ما يكشف عن عمق تأثير التدين في العشائر الشيشانية، خصوصاً وأن هجرتها إلى الأردن كانت بدافع النجاة بدينهم من خطر مستقبلي حينها وهو الثورة البلشفية. استقر الشيشان في الأردن، وعلى مراحل، في مدن وبلدات أنشؤوها ثم توسعت لاحقاً، وخصوصاً عندما ساكنهم فيها مهاجرون آخرون من فلسطين وسوريا، إضافة إلى رحيل عشائر أردنية إليها وسكنها فيها، ولا يشكل الشيشان اليوم أغلبية في أي من المدن التي يسكنون فيها. وفي الزرقاء، أولى أماكن سكنهم، قسمت العائلات الشيشانية الأرض بينها بعد ترتيب مع الدولة العثمانية التي كانت تحكم المنطقة وقتها، واستخدمت مياه عين الزرقاء، منبع نهر الزرقاء، حيث بنت عليها ما يشبه السدود الحجرية لرفع منسوب المياه بما يكفي لري الأرض المحيطة، واستخدمت الأقنية لنقل المياه، في حين كان يتم الري بين المزارع بترتيب. وعَمِلَ الشيشان هناك في الزراعة، حيث أحضروا معهم بذوراً من بلادهم الأصلية زرعوا منها الكثير، وكانت المزروعات تتراوح ما بين الخضار والأشجار والأعلاف. وبعد بنائهم لعددٍ من البيوت، ولخشيتهم من الغزو الذي كان سائداً في ذلك الوقت، بنى المهاجرون ما يشبه السور حول مدينتهم الصغيرة، ولكن علاقتهم مع العشائر الأردنية كانت جيدة وودية، وينقل عثمان دولت ميرزا عن والده قصة شهيرة حصلت مع أحد أبرز شيوخ العشائر الأردنية، وهو الشيخ حديثة الخريشة، وذلك في عام 1907 تقريباً، حيث غضب الأتراك على الشيخ الخريشة، وأرسلوا فرساناً ألقوا القبض عليه، ثم نقلوه إلى الزرقاء تمهيداً لنقله في القطار إلى دمشق ليمثل أمام واليها، ووضعوه في هذه الأثناء في محطة الزرقاء تحت حماية الجنود الأتراك. وتشاور زعماء الشيشان في الزرقاء، وقرروا أنهم لن يتمكنوا من ترك الشيخ الخريشة يواجه مصيره أمام والي دمشق، فقرروا أن يعملوا على تهريبه، حيث أرسلوا ليلاً عدداً من شبابهم لمسامرة الجنود الأتراك وإلهائهم، فيما تسلل عدد آخر، واستطاع إخراجه من مكان سجنه، وحملوه إلي بيتهم، ثم ألبسوه لباساً شيشانياً، وأخرجوه متنكراً من المدينة حتى أوصلوه إلى مضارب عشيرته، ومن هنا بدأت العلاقة الوثيقة بين الشيشان وعشيرة الخريشة خصوصاً، والعشائر الأردنية عموماً، ولاحقاً وبعد دخول الاستعمار إلى المنطقة أصدر الشيشان في الأردن في عام 1919 بياناً مشهوراً طالبوا فيه بدولة عربية مستقلة، مما يدل على عمق انخراطهم في المجتمع العربي في الأردن، وعلى عمق احترامهم للعرب. إنشاء مدينة صويلح ويروي الشيشان كيف أنشئت مدينة صويلح التي هي اليوم إحدى أكبر ضواحي العاصمة عمان، حيث استقرت فيها عائلة بينو وعائلات أخرى، وهي التي كانت تأخرت في تركيا حتى عام 1909، حيث وفدت إلى الأردن وأعجبتها منطقة صويلح التي كانت تشبه طبيعتها الجبلية مدينتهم الأصلية في الشيشان (بينا)، كما أنها حوت نبع ماء، واستقرت العائلات المهاجرة في جبال صويلح، إلى حين قيامها ببناء بيوت لاحقاً. وكانت البيوت الأولى على الطراز الشيشاني، حيث تبنى غرفة واحدة يتصل بها من الأمام “معرّش”، وهو جزء بارز من البناء إلى الأمام، وحين تتوسع العائلة تبني غرفة أخرى إلى جانبها، وإذا توسعت أكثر وأكثر فإن الغرف المتلاحقة تأخذ شكل حرف (U). ولكن ذلك الطراز من البناء لم يعد قائماً اليوم مع استبدال البيوت القديمة ببيوت على الطرز الأحدث، ولكنها ليست فخمة، حيث تعتبر حارة الشيشان في صويلح حارة شعبية إلى حد ما، ويعود ذلك إلى عدم ميل الشيشان للبذخ، وتفضيلهم للتواضع وللحياة البسيطة. أيدمر بينو يعرِّف نفسه بأنه أردني عربي مسلم، بل وحتى “بلقاوي” نسبة إلى محافظة البلقاء التي تمتد حتى حدود صويلح، ويوافقه في هذا التعريف قريبه عصام بينو، ويستذكر كلاهما المرحوم موسى يونس بينو، الذي كان أبرز وجه في شيشان صويلح، ويشيران إلى أول سيارة في المنطقة، وهي من نوع “فانجر ستاندرد”، ومن ذكرياتهما عن تلك الأيام أنه كان “يحشرهما” في تلك السيارة ويأخذهما في رحلات لا تنمحي من ذاكرتهما، من بينها زيارات للقدس، وللبحر الميت، ولمناطق أخرى في فلسطين، حيث كان يحضر لهما حلويات من هناك. ويقول أيدمر بينو “صحونا بعدها على نكبة فلسطين، وقتها بيوتنا كانت لاتزال طينية، عندما بدأ توافد اللاجئين الفلسطينيين، حيث حلت بعض العائلات في صويلح، وفي إحدى الليالي وجدنا عائلة فلسطينية كانت وصلت للتو إلى حقلنا، فعدنا إلى البيت، وأجرينا الترتيبات حتى لا تنام تلك العائلة ليلتها في العراء، وأرسلنا أطفال العائلة الشيشانية للمبيت في اليواخير، أي الغرف المخصصة للمواشي، وهي كانت نظيفة وتسمح بذلك، في حين تركنا غرف المنزل للعائلة الفلسطينية اللاجئة”. كما يشير بينو إلى حادثة تاريخية، وهي قدوم عائلات شركسية من منطقة ناعور (غرب عمان) إلى صويلح، حيث قررت العائلات الشيشانية الطلب من الحكومة وقتها أن تعيد تقسيم الأراضي، وذلك لإتاحة الفرصة للعائلات الشركسية للحصول على قطع أراضٍ، وتكشف تلك الحوادث عن الطبيعة المتعاونة للعشائر الشيشانية، وعن تقديرها للمهاجرين الآخرين. تأسيس بلدة الأزرق ويحكي عثمان دولت ميرزا ل “الشرق” قصة إنشاء بلدة الأزرق، وهي عبارة عن واحة في عمق الصحراء الأردنية في مكان غير متوقع بالنسبة لمهاجرين من بلاد ذات مناخ بارد كالشيشان، وتعود القصة إلى عام 1890، أي قبل الهجرة بعشر سنوات، عندما سافرت مجموعة من الشيشان إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، وكان من بينهم والده دولت ميرزا، وقد سلكت هذه المجموعة أثناء مرورها في الأردن طريقاً في الصحراء قادها إلى واحة الأزرق، وينقل عثمان عن والده أنه روى له كيف انبهر بتلك الواحة التي كانت جنة غناء وسط الصحراء، وقد ذهب إلى البحيرة ليتوضأ، فلفت انتباهه أحجار منقوش عليها صور لقطوف عنب (تعود تلك الأحجار إلى جدار أموي أثري يحيط بالواحة)، وهو ما دفعه إلى الاقتناع بأن تلك المنطقة كانت مأهولة وأنها صالحة للسكن. وقد عاد دولت ميرزا مع قافلة الحج من نفس الطريق أثناء رحلة العودة، وبعد الهجرة وبعد أن استقرت العائلات الشيشانية في الزرقاء بقيت صورة واحة الأزرق في خيال ميرزا، حيث استأذن شيخ الشيشان وقتها (الحاج عبدالله عادل)، وانطلق هو و15 فارساً في رحلة عبر الصحراء إلى الشرق، حيث وصلوا إلى الواحة في اليوم التالي، وعاد دولت ميرزا إلى نفس الحجر المنقوش الذي شاهده سابقاً، ولكن الشيشان ترددوا في استيطان المنطقة، وبقوا في الزرقاء. وحاول دولت ميرزا أن يستعيد مهنته التي كان يمارسها في الشيشان، وهي تربية الجواميس، فذهب في رحلة إلى مدينة الحولة في فلسطين، والواقعة على بحيرة الحولة، حيث اشترى جواميس وعاد بها إلى الزرقاء، ولكنها لم تُعمِّر لعدم وجود البيئة المناسبة لها، وهي البيئة التي يتوفر فيها المياه والطين، فكان أن تشجع في عام 1922، واستأذن من الشيخ عبدالله، وباع مواشيه واشترى من جديد دفعة من الجواميس، وانتقل مع عدد من المهاجرين إلى الأزرق، حيث أنشؤوا البلدة التي لاتزال قائمة حتى اليوم، وهناك باشروا في الزراعة وتربية الجواميس، ولكن اقتصاد المنطقة تطور بعد عدة عقود عندما استفادت المنطقة من تجربة القريات وقرى الملح في شمال السعودية، حيث بدؤوا في إنشاء الملاحات وبيع الملح. واستوطنت بعض العشائر الشيشانية في مناطق محيطة بالزرقاء، وهي عشائر وفدت بعد عام 1907، وبعض تلك العائلات هاجرت بطرق غير التي هاجر فيها المهاجرون الأوائل، وتم ترحيلهم عدة مرات من قِبَل الحكومة العثمانية، إلا أن معظمهم تمركز في منطقة السخنة، حيث أصدروا في عام 1911 وثيقة مشهورة تنص على العدالة فيما بينهم، كما تنظم بعض الأمور الحياتية المتعلقة بالزواج وبتوزيع عوائد الزراعة وغيرها، وهي وثيقة تدل على تمدن واضح. شيشان الأردن: رؤيا شيخ قادت إلى الهجرة: 1.المهاجرون الشيشان.. رحلة بدأت برؤيا خَشِيَت معاداة الثورة البلشفية للإسلام.. وانتهت بأخرى حَذّرت من الذهاب إلى الجليل 2.مجتمع محارب يقدِّس والد الزوجة ويمنع حلق اللحى أمام كبار السن 3. المهاجرون الشيشان يتخذون صويلح الأردنية موطناً لتشابهها مع أرض الأجداد صورة لأول سيارة في مناطق شيشان الأردن صورة لقطيع من الجواميس في الأزرق (الشرق) كتاب تعليم لغة عربية أحضره المهاجرون الشيشان معهم (الشرق) صورة لكبار مؤسسي بلدة أزرق الشيشان وثيقة مطالبة شيشانية بدولة عربية عام 1919 (الشرق)