الإشكاليات التي نراها في بعض مطاراتنا في المدن الكبرى والصغرى تتمثّل في تأخير الرحلات أحياناً، والتعامل الذي يفتقر للأخلاق المهنية من بعض موظفي الخطوط أحياناً أخرى، حيث قليلاً ما تجد موظفاً يعاملك بالاهتمام المفترض، وإذا حالفك الحظ ووجدت من يجيب على استفسارك، فعليك أن تتحمَّل ردّه عليك بصدرٍ يضيق بالنظر إليك حين يخاطبك، وكأنك متطفل عليه وليس من حقك الاستفسار، وينسى أنه موظف وواجبه خدمتك ويتقاضى أجراً لذلك، وبعض الموظفين يسارع بالتخلّص منك بتحويلك لموظف آخر، وربما يرمقك هذا الآخر بتجاهل قد يستغرق ثلاثين دقيقة وكأنك تطلب منه حسنة فيؤشر لك بالانتظار قبل أن يحرك فمه ويجيبك، وأحياناً أخرى تستمر في الانتظار ساعات طويلة يعتريك على إثرها الضجر والغضب بسبب ضياع وقتك في انتظار لا ينتهي إلا بعد عناء وشقاء، فلا تجد من يؤكّد رحلتك في ذلك اليوم الكحلي الذي لا يريد أن ينتهي فتلقي بنفسك من مقعد لآخر في محاولة لتصبير نفسك وأسرتك، ومع أن سُلطة موظفي الخطوط محدودة فإن ثقافة اللامبالاة بالناس منتشرة لدى بعضهم بشكل مؤلم، أمام سيادة الأخلاق التجارية في مجتمعنا الذي من المفترض أن تكثف فيه المؤسسات الحكومية والمدنية مجهوداتها للتدريب على فن التعامل الراقي بإحياء مزيد من مكارم الأخلاق! وتشعر بالمرارة حقاً حين تقضي ساعات تستعطف موظفاً ليؤكِّد لك مقعداً على رحلة كنت قد حجزت عليها مسبقاً، ولكن بعد وصولك إلى المطار تتفاجأ بأن المقعد ليس شاغراً، لتدفع أنت من وقتك ثمن خطأ واستهتار أحدهم، فتضطر أن تستعطف ساعات طويلة وكأنك تطلب صدقة لمقعد دفعت ثمنه مقدماً، لتتنقل فيها على قوائم الانتظار من رحلة لأخرى، وفي النهاية لا مقعد شاغر، وإن حالفك الحظ وكان الموظف في مزاج حسن وساعدك تتفاجأ حين تصعد الطائرة بوجود عدد كبير من المقاعد خالية! ونحن كمواطنين نريد أن نتذوق طعم الرفاهية وننعم بالراحة من خلال أداء المؤسسات الوطنية للمواصلات سواء كانت الخطوط الحديدية أو الجوية، التي من المفترض أن تزيد حياتنا سهولة بدلاً من أن تصعبها، حيث نشهد أحياناً افتقاراً لمعايير احترام وقت الإنسان، فكم من ساعات عديدة أهدرتها وسائل المواصلات لدينا من حياتنا ولم تعوضنا عنها مادياً، ولا حتى معنوياً بتقديم اعتذار يليق بحجم التأخير على الأقل، ليصبح الهاجس الذي يؤرقنا في كل مرة نضطر فيها للسفر موعد إقلاع الرحلات الذي يصبح أحياناً أحد التحديات التي تواجه الخطوط، والتحدّي الآخر يكمن في زيادة الثقة بينها وبين المواطن بعد تكرار مسلسل المعاناة والخسائر في بعض الرحلات، حين تفرض عليه سياسة الأمر الواقع. ومع كل تلك المشاهد صرح المدير العام للخطوط السعودية أن (الخطوط تقف على أرضٍ صلبة ورصيدٍ وصل اليوم إلى سبعةٍ وستين عاماً من الإنجازات والخبرات والنجاحات، وذلك بمناسبة انضمام السعودية لتحالف «سكاي تيم» في مطار جدة الأسبوع الماضي، وتوقع المدير أن يعطي هذا الانضمام بُعداً استراتيجياً كبيراً للخطوط، حيث ستكتسب فيه مميزاتٍ جديدة وخدماتٍ غير محدودة وغير مسبوقة لمسافريها حول العالم، لينعكس إيجابياً على تحقيق مستوى من الخدمة يتسم بالشمولية ويوفر الراحة والرفاهية للمسافرين على شركات التحالف في أي مكانٍ من العالم)، وبرأيي إن ذلك يعتبر قفزة كبيرة ينطلق بها الناقل الوطني، ولكن ينبغي أن يعمل بجدية على تحسين مستوى الخدمة، وفي المقام الأول معالجة تأخير إقلاع بعض الرحلات في الوقت المحدّد، فلا أعتقد أن إقحام ناقلنا الوطني في تحدٍّ عالمي سيحلّ من مشاكله المتعدّدة أو سيرفع من أداء موظفيه، بل سيضعهم في مقارنة صعبة ومحرجة مع الخطوط العالمية حول العالم، التي لا أعتقد أنه قادر في الوقت الحالي على التنافس أمامها! ففي الوقت الذي نتحدث فيه عن التحالف العالمي تعطّل ركاب الرحلة رقم (SV1150) القادمة من الرياض إلى الدمام الأربعاء الماضي الموافق للثلاثين من مايو، والتي من المفترض أن تقلع الساعة الثالثة عصراً من الرياض، حيث ظل الركاب من الساعة 2:30 إلى الساعة الرابعة داخل الطائرة بانتظار حلّ مشكلة صحية طرأت على إحدى المسافرات، فبدلاً من أن يتمّ إنزال الراكبة والكشف عليها في المطار إلى أن تستقر حالتها مثلما يحدث في بقية خطوط العالم، تمّ تعطيل أكثر من مائة مسافر من أجل شخص واحد، إلى أن وصل الطبيب للمعاينة، وما أن تحركت الطائرة للإقلاع من جديد بعد الساعة الرابعة حتى عادت مرة أخرى للبوابة بسبب عطل فني! في تلك الأثناء كان المشهد داخل الطائرة مخجلاً، فلم يكلّف الكابتن أو أحد مضيفي الرحلة نفسه العناء بتبليغ الركاب عن سبب التأخير، إلا بعد أن صعد مضيف أرضي وأخذ يتجوَّل داخل الطائرة وحين وصل إلى درجة رجال الأعمال صرَّح بأن هناك مشكلة قد تستغرق 15 دقيقة وخيَّرهم بين البقاء في الطائرة أو نزولهم لصالة المطار، وحين شاهده أحد ركاب السياحية تذمَّر وسأل: لماذا لا يخاطبهم أحد؟، فاضطر نفس المضيف إلى إعادة نفس التصريح، ثم توجَّه معاتباً مضيف الطائرة وسأله عن سبب عدم إعلان التأخير من قبل المضيفين أو الكابتن إلى الآن، فردّ عليه المضيف بالقول: «إنه ليس من المفترض أن يُعلن أي شيء قبل وصول الرحلة إلى وجهتها النهائية!»، وإن كان هذا ما يُقصد به (البُعد الاستراتيجي) الذي دفع الخطوط للتحالف العالمي، فهذا يكشف عن إصابتها بحُمَّى (التميُّز عالمياً) التي لا تمكّنها من إدراك حجم الضعف الذي أصاب خدماتها!