يبدو المشهد السياسي في الشقيقة مصر معقداً أكثر من أي وقتٍ مضى، فكثيرٌ من القوى السياسية والحركات الشبابية تصر على إلغاء جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية وتشكيل مجلس رئاسي مدني يدير مرحلة انتقالية جديدة تستمر لمدة ستة أشهر تتخللها كتابة الدستور وتعقبها إعادة الانتخابات التشريعية والرئاسية. ورغم استحالة تطبيق هذا المقترح لعوائق دستورية وقانونية، إلا أننا نجد أن عدداً ليس بالقليل من السياسيين المصريين البارزين يدفع في هذا الاتجاه ويحاول إقناع قطاعات واسعة من المواطنين، خصوصاً المؤيدة للثورة، بوجاهة هذا المقترح وبأنه ليس ضرورياً إتمام الانتخابات الرئاسية. ويعمق هذا الطرح، الذي أعلن المجلس العسكري رفضه له، الخلافات بين القوى السياسية وخصوصاً بين القوى المدنية والثورية من جهة والإخوان المسلمين من جهة أخرى، فالإسلاميون يرون في المجلس الرئاسي حلاً غير دستوري لمشكلات مصر وهم على علم بأن سحب مرشحهم الرئاسي محمد مرسي من جولة الإعادة استجابةً لمناداة أصحاب مقترح المجلس الرئاسي ستعني بالتبعية فوز الفريق أحمد شفيق بالرئاسة وإدارته شؤون الدولة، وهم يعلمون أيضاً أن الجيش لن يسلِّم السلطة إلا للرئيس المنتخب أياً كان اسمه وأن دول العالم ومنظمات المجتمع الدولي لن تعترف إلا بالإدارة المصرية المنتخبة. لذا فإن قوى الثورة مطالبَةٌ الآن بطرد أي أفكار غير واقعية من ذهنها والتركيز على الضغط من أجل تطبيق قانون العزل السياسي لرموز النظام السابق وإبعادهم عن الاستحقاق الرئاسي، وهو ما سيضمن خروج شفيق من السباق، وإن لم يتحقق ذلك فليكن القبول بنتيجة الصندوق حَكَماً بين المصريين، إذ لا يصح أن يحاول السياسيون والمرشحون الخاسرون فرض رأيهم على سائر الشعب وتجاهل اختياراته التي عبر عنها في اقتراع سري مباشر شَهِدَت منظمات خارجية وداخلية متخصصة في مراقبة الانتخابات بنزاهته. إن مصر تحتاج من سياسييها وشبابها الثائر إلى إعلاء مصلحتها وتنحية الانحيازات الفكرية وحسابات المكسب والخسارة في السياسة جانباً حتى تتجاوز أزماتها وحتى يُتَاح لشعبها بناء الجمهورية الثانية على أسسٍ ومبادئ في مقدمتها احترام رأي الناخبين وإن لم يتوافق مع توجهات الساسة والمثقفين.