يتلون البؤس بأكثر من لون في وجوه سكان قرية اللحجة بمحافظة الريث في جازان وتبلغ المعاناة أشد صورها عندما يداهم (كابوس الولادة) إحدى الأمهات؛ فالوصول لأقرب مستشفى يحتاج لأكثر من ثلاث ساعات، وإذا سال مجرى الوادي يختفي الطريق وينقطع خيط الأمل وحبل الحياة، ليتلف الأبناء كقبضة يد واحدة أمام ساحة منزلهم يشغلون ألسنتهم بالدعاء وتقطر أعينهم بدمع من لهب، ينتظرون المصير المرتقب لوالدتهم إما بإضافة مولود جديد أو إلى وداع أخير! قرية اللحجة تفصل قرية اللحجة بين حدود منطقتي جازان وعسير وتقع في وادٍ لا ينقطع مداه، يتسع ويضيق ويصب في مجرى وادي بيش؛ وتشكل اللحجة عالما مدهشا بالصور يختلف عن تطور الإنسان والمكان؛ ومن يشاهد وضع ساكنيها يُخيل له أنه يقرأ رواية خيالية أوحى بها خيال خصب. فبداية يستقبلك الأطفال بالأناشيد التي لا يفهم مغزاها سواهم ويحاصرون سيارتك من كل جانب ولا حيلة لك إلا بالتوقف وتبادل الحديث معهم، وترى في وجوههم ندبات الدهر وأسارير الفرح مجتمعة رغم أنهم لا يملكون أدنى الوسائل الترفيهية عدا حبل مربوط بين شجرتين من السدر يمارسون خلاله لعبة «المرجيحة» بشكل خالص وخاص. وعلى مقربة منهم ترى مساكنهم التي تتكون من الصفيح والشبوك والأشجار. (الشرق) دخلت بيوت الفقراء وقامت بجولة لوادي اللحجة الذي يفتقد كل الخدمات، فلا وجود لطريق غير بطن الوادي، في غياب واضح لخدمات الكهرباء والماء والتعليم والصحة؛ السكان يقتاتون على مستحقات الضمان الاجتماعي وينفقونه على قطعان أغنامهم التي تعد مصدر رزقهم الوحيد، فمنها يأكلون ومنها يشترون ملابس أطفالهم ومنها يعطون مهر زوجاتهم. عزلة تامة يقول المواطن علي مفرح الشحني: نحن نعيش عزلة تامة من المجتمع ومن خطوات التنمية، ولم يلتفت لنا أحد ولا يوجد لدينا وظائف وليس لنا دخل شهري غير مستحقات الضمان الاجتماعي الذي ينتهي مع بداية الشهر، فمنه نشتري الشعير والأعلاف لأغنامنا ومنه نعطي مهر زوجاتنا ومنه نؤمن قوتنا ولا يوجد لدينا مساكن غير الشبوك والخيام والصفيح ومن أراد أن يتأكد فليأت بنفسه ويشاهد مساكننا وحالنا ومعاناتنا. انعدام تام للخدمات الوكيل الشرعي لسكان قرية اللحجة الشاب معايل محمد الشحني رافق (الشرق) في جولتها ومعه حزمة من الأوراق والمستندات والمشاهد وقال «أنا الموظف الوحيد وبقية سكان الوادي لا يقرؤون ولا يكتبون، وقد تقدمت لأكثر من مسؤول وذكرت أن سكان قرية اللحجة يعانون انعدام الخدمات الضرورية التي جعلتنا نعيش حياة العصر الجاهلي فلا ننعم بأي خدمة ينعم بها أبناء الشعب السعودي، مضيفا أن أمير جازان وجه بتشكيل لجنة من الجهات الحكومية لدراسة احتياجات أهالي اللحجة وأعد محضراً بتاريخ 2/4/1432ه أفاد فيه مندوب الطرق بأن مشروع سفلتة الطريق ضمن أولويات إدارة الطرق وهو مدرج في ميزانية عام 1433ه. اعتذار الصحة وذكر مندوب التعليم أنه تم رفع احتياجات القرية لفتح مدارس، وبرّر مندوب الشؤون الصحية بأن القرية لا تنطبق عليها معايير افتتاح مراكز صحية، كما ذكر مندوب الكهرباء أنه سيتم عمل مسح للقرية وسيتم مخاطبة الإدارة العامة للمشروعات بشركة الكهرباء لطلب إدراج القرية ضمن خطط الشركة، وأشار مندوب البلدية إلى أنه يصعب إيصال المعدات وعمال النظافة، ورأت اللجنة أن يتم تعديل مسار الطريق المؤدي للقرية بعيدا عن الأودية والشعاب حتى لا يتم احتجاز أهالي القرية عند هطول الأمطار. وختم معايل بقوله «لم تأتِ توصيات المحضر بأي نتيجة إلى الآن!». قصة مؤلمة وأوضح المواطن يحيى علي الشحني ل (الشرق) أن وادي بيش يفصلهم عن الحياة وذكر قصته المؤلمة عن زوجته الحامل يوم داهمتها الولادة قبل سنتين في بيتها أثناء جريان سيل وادي بيش ولم يستطع الوصول إليها إلا في اليوم الثاني ليجدها جثة هامدة بين أبنائها والجيران. وأكد الشحني أن وادي بيش يسيل أحيانا لمدة تزيد عن ثلاثة أسابيع ويقطع الطلاب والطالبات عن المدارس ويصب فيه أكثر من خمسين وادياً مختلفاً، وهو يسيل على مدار العام ولدينا مشاهد من مركز ردوم التابع لمنطقة عسير. وأضاف الشحني أن كثيرا من الأمهات يلدن في بيوتهن أو في الطريق كون الوصول للمستشفى يحتاج لثلاث ساعات. نساء ورجال وقال المواطن شوهان مشعوف: ما زلنا نعيش عادات أجدادنا في الرعي ولا نحتاج للعمالة؛ فالرجال والنساء يصحون فجرا ويتقاسمون مهامهم اليومية بدءاً بتجميع الحطب والطبخ وتعويش الأغنام وتسريحها للجبال، ومع المغرب ينتهي العمل وتنقطع الحركة وننتهز فترة الليل كي ننام لأننا لا نستطيع النوم أثناء النهار من شدة الحر. وأضاف شوهان أنّ أقرب محل للمواد الغذائية يبعد عنا مسافة ستين كيلومترا ذهابا وإيابا. صفيح وشبوك من جهته، قال شيخ أهالي قرية اللحجة محمد أبو ملحة الشحني إن سكان اللحجة يسكنون الصفيح والشبوك ويعيشون على الكفاف، ويفتقدون لكل الخدمات ومعاناتهم لا تقارن ببقية القرى والهجر في محافظة الريث، وقد تم نقل معاناتهم للجهات الخدمية أكثر من مرة وتمت المطالبات لهم في كل شيء لكن دون نتيجة، مؤكدا أن طلاب وطالبات اللحجة يدرسون المراحل الابتدائية في قرى تتبع لإدارة تعليم عسير، ثم يتوقفون عن مواصلة الدراسة ليكملوا بقية حياتهم في تربية الماشية، مشيرا إلى أنه تم تسجيل كل الأسر بوادي اللحجة ضمن الأسر التي تسكن الصفيح والشبوك وسلمت بياناتهم للمحافظة. وناشد أبو ملحة رجال الأعمال وفاعلي الخير بالالتفات لهذه الفئة ودعمهم وتلمس أوضاعهم. شرابهم من الوادي وتحدث المواطن جابر الريثي عن الوضع السكني والخدمي لسكان وادي اللحجة، وقال إنهم بحاجة ماسة للوحدات السكنية وحالتهم المعيشية تختلف عن سائر مدن وقرى المملكة، فوضعهم سيئ وحالتهم تحت خط الفقر ويسكنون في مساكن لا تليق بالمواطن السعودي في هذا العصر؛ كونهم يشربون من مياه الأودية التي تشاركهم فيها الحيوانات وعجلات السيارات وتحمل أمراضاً معدية وخطيرة، ويعانون الأمرين (البرد القارس والصيف الحارق)، وكيف يقاوم الأطفال وكبار السن هذه الظروف القاسية؟ وأضاف: من الحلول المنطقية أن يتم بناء وحدات سكنية عن مساكنهم الحاليّة، لأنهم يشكلون حالة نادرة ويقتاتون من الماشية ولو تم بناء وحدات سكنية لهم بعيدة عن مراعيهم وأغنامهم فلن تحل معاناتهم لأنهم رعاة أغنام منذ نشأتهم، وحياتهم مرتبطة بهذه المهنة الشريفة ومن المفترض أن يتم تشجيعهم على مزاولتها وتحسين مساكنهم. وأضاف: نناشد فاعلي الخير في هذا الوطن بالالتفات لهؤلاء الناس القاطنين في الشِّعب والأودية ومد يد العون لهم، كما يفترض على الجهات الحكومية أن تتلمس طلباتهم وإيصال الخدمات لهم. مئات الأسر رئيس مجلس إدارة جمعية البر بالريث مغدي جابر الريثي أوضح أن عدد الأسر بقرية اللحجة يزيد على أربعين أسرة وهم يشكون من عدم تحسين مساكنهم كونهم يسكنون في صفيح وشبوك حديدية ذات أشرعة، وهناك عدد من المواقع في محافظة الريث حدد بها مواقع للإسكان إلا أنه لم ينفذ حتى الآن سوى موقع يوجد بقرية الرأس بجوار المستشفى العام تابعة لإسكان خادم الحرمين الشريفين لوالديه وعددها خمسون وحدة سكنية، ونطمح في المزيد من هذه المساكن كونها سببت جرحا كبيرا لأن العدد المنتظر لها كبير جدا، مشيرا إلى أن إجمالي الأسر التي تسكن الشبوك والصبول الخشبية والحجارة القديمة في محافظة الريث يقدر بالمئات! وبعض الشباب المتزوجين لا يملكون مساكن وإنما يسكنون في بيوت زوجاتهم. موضحا أن جمعية البر في محافظة الريث تعاني قلة الإمكانات وشح مواردها وأنها تخدم عددا من الشرائح الفقيرة منهم الأيتام وكبار السن والمرضى والأرامل والمطلقات وغيرهم، كذلك من حدثت له كارثة مثل الحرائق والهدم والغرق. وأكد مغدي أن محافظة الريث تختلف عن غيرها بسبب بعدها ووعورة جبالها وتفرق وتباعد سكانها وقال «أهالي الريث معروفون بفقرهم وحاجتهم ومجالدتهم لظروف الحياة ولولا فضل الله ثم كرم خادم الحرمين والأسرة المالكة لكانت بالريث مأساة حياة لأن الضمان الاجتماعي رفع فقرا لا يعلمه إلا الله». الأكثر فقرا من جهته، أوضح محافظ الريث عثمان الراجحي أن الأهالي أقل الناس نموا وأكثرهم فقرا، مبينا أنه تم تشكيل لجنة قبل سنة لحصر كافة الأسر التي تسكن الصفيح والشبوك والكهوف، لافتا إلى أن محافظة الريث أكثر المحافظات فقرا على مستوى منطقة جازان حسبما تبين في تفاصيل البحث الإحصائي الذي أعدته اللجنة وتم الرفع بكافة البيانات للجهات المعنية. تحت الدراسة وأوضح مساعد الشؤون المدرسية بإدارة تعليم صبيا علي الذروي أن هناك لجنة بإدارة التربية والتعليم بمسمى (لجنة التخطيط المدرسي) يرأسها مختصون لدراسة طلب افتتاح المدارس، موضحا أن هناك معايير لافتتاح المدارس منها أن يكون العدد مستوفياً وكذلك قياس مسافة أقرب مدرسة، مؤكدا أن مدرسة اللحجة من ضمن المدارس التي تدرسها اللجنة حاليا وسترفع للوزارة. رسالة جوال (الشرق) اتصلت بمدير إدارة الطرق والنقل بجازان المهندس ناصر الحازمي ولم يرد، فبعث المحرر برسالة نصية تستفسر عن طريق اللحجة لتصل إجابة مدير الطرق بهذا النص «هناك مشروع سفلتة لوادي اللحجة وهو مدرج في ميزانية عام 1433ه». لا توجد سقيا وأوضح المتحدث الرسمي لفرع المياه في منطقة جازان علاء خرد أن سكان وادي اللحجة لا توجد لديهم سقيا حاليا وسيتم تأمين السقيا خلال العقود المستقبلية، إضافة إلى أنه لم يتقدم أي مواطن من القرية بطلب رخصة حفر آبار. مسح للكهرباء من جهته، قال مدير شركة الكهرباء في جازان المهندس محمد عجيبي إنه تم عمل مسح لقرية وادي اللحجة وتم إدراجها في ميزانية الشركة وتحظى باهتمام ومتابعة أمير المنطقة. ماء الوادي المصدر الوحيد للشرب