خلف واجهات المدن الحديثة بمبانيها الفاخرة وشوارعها المنظمة وخدماتها الوفيرة، تتوارى العديد من القرى البعيدة والأحياء المهملة التي لا تفتقر فقط إلى الخدمات الأساسية، بل يفتقد أهلها إلى الحياة الآدمية الكريمة، والتي عنوانها المأوى، غير معاناتهم مع الفقر والجهل والمرض.عشرات الأسر في عدد من محافظات الباحة تنطبق عليهم تلك الصفات، حيث يسكنون في منازل من الصفيح والمعدن والأخشاب وفروع الشجر، كما يكابدون خلال حياتها اليومية كل صنوف البؤس والشقاء، فيما تشكو الجمعيات الخيرية ضعف الإمكانات، كما ينفي الضمان اختصاصه بموضوع الإسكان. “المدينة” رصدت العديد من الصور الحزينة، أرامل وأيتام يبحثون عن أبسط مقومات الحياة، ونقلت صورًا واقعية لحالات عديدة تعيش على هامش الحياة داخل بيوت متهالكة من القش أو الصفيح في بعض البوادي والقرى النائية، حيث تواروا هناك خجلا، فنساهم المجتمع إهمالًا. الستر المنشود س. الغامدي، أحد هؤلاء السكان، يقول بأسى: نعيش في بيوت من الصفيح ونعاني من برد الشتاء ولهيب الصيف، ولا نجد سترًا من تقلبات الجو، ولا من عيون الناس.أما أم فهد التي تعول أيتامًا من أعمار مختلفة، تقول إنها وأفراد أسرتها مسجلون في الضمان الاجتماعي، ولكن الراتب الذي تتقاضاه بالكاد يكفي احتياجاتهم اليومية من ملبس وغذاء وتسديد فواتير الكهرباء التي تصلهم، إلا أنهم يعانون من السكن في بيوت متهالكة تهدد حياتهم بالهدم بين لحظة وأخرى.ويشير فهد العمري إلى انه الى هذا اليوم يسكن ووالدته واخوانه بيتًا قديمًا من الحجر والطين، وليس لديهم أي دخل يعينهم على الحياة.ويقول أحمد الزهراني من محافظة المندق: أقطن بمنزلي البالي منذ 40 عامًا، أعاني فيه برد الشتاء القارس ولهيب الصيف القائظ، وليس لي أي مأوى آخر سوى تلك الغرفة المبنية من الحجر، ولذلك لم أتمكن من الزواج، فكلما تقدمت للزواج وشاهد الناس غرفتي المتهالكة رفضوني بسبب العوز الذي اعيشه، ولا استطيع الانتقال إلى غيره لضيق ذات اليد. وكل ما أريده هو بناء مسكن أستطيع أن أقيم أسرة بين جوانبه. هامش الحياة ويشرح ي. الغامدي حالته قائلًا: أتسلم من الضمان مبلغًا لا يكفي سداد الديون التي تترتب علينا طوال السنة بسبب مصاريف الحياة، مضيفًا أنه وأسرته يعيشون على هامش الحياة فقط، حيث لا تتجاوز حياتهم محيط الوادي، وأن أسرته تتمنى أن تعيش مثل الكثيرين من أبناء الوطن في حياة هانئة، ولكن الحال صعب على حد قوله.ويقول جمعان الغامدي إنه يسكن في بيت متهالك ويخشى ان يسقط عليه السقف بسبب الامطار، حيث ان الظروف المادية لا تساعده على بناء مسكن او اعادة ترميمه، ويضيف العم جمعان ان ديونه التي تتجاوز مائة الف ريال كانت عقبة امامه في بناء مسكن ملائم.أما أم فهد، وهي أرملة في تربة الخيالة، فتقول إنها تعيش في منزل متواضع مع اربعة من ابنائها، وحالتها المادية صعبة، وإنها تعيش على ما يصلها من مساعدات الضمان الاجتماعي السنوية التي لا يكفيها مصاريف المعيشة والكهرباء والمصاريف الأخرى، وتطالب ببناء مسكن لها ولأولادها لكي يقيهم من لهيب الصيف وصقيع الشتاء. وادي الخيطان وفي وادي الخيطان أسفل عقبة الأبناء، الذي يبعد عن محافظة بلجرشي حوالى 35 كيلو مترًا، وجدنا عشرات البيوت المتناثرة أسفل الوادي، والتقينا بالاهالي هناك، حيث يتطلعون إلى إنشاء مشروع للإسكان الخيري لتوفير السكن الملائم لشريحة كبيرة من المساكين والأرامل في ذلك الوادي الفقير، وأشاروا إلى أن هناك عددًا كبيرًا ممن يعانون من الفقر لعدم وجود مصدر دخل يعتمدون عليه، كما أن من يعمل منهم في حرفة أو مهنة، فهي لا تدر عليه إلا دخلًا قليلًا يكاد لا يكفي لاحتياجات أسرته الأساسية، وهم يسكنون ويعيشون في منازل ومساكن لا تقيهم البرد وحرارة الشمس أو الأمطار عند هطولها، والبعض منهم يسكن في منازل شعبية آيلة للسقوط في أي لحظة، وآخرون في منازل من الأعشاش والصفيح، وهم في حاجة ماسة إلى إسكان خيري ومبانٍ تحتوي على مقومات الحياة العصرية.واشتكى سكان الوادي من نقص في الخدمات الأساسية والكثير منهم ما زالوا يسكنون في منازل من عشاش وشبوك وليس لهم من حطام الدنيا شيء. ويأملون في إقامة إسكانات خيرية في هذه القرى والخروج من هذه المنازل التي لا تليق بهم ولا تحميهم. إمكانات محدودة ومن جانبه أوضح مدير عام الضمان الاجتماعي بمنطقة الباحة علي بن سدران أنه لم يعد للضمان الاجتماعي اختصاص في موضوع الاسكان، حيث أصبح هيئة مستقلة.أما مدير جمعية برحرح عبدالله الزهراني فقال إن الجمعية لا تتكفل ببناء مساكن الا لمن هم مسجلون في سجلات الجمعية، ولكن تعاطفًا منها فهي مستعدة لبناء غرفة في مركز برحرح وتأمينها للمواطن احمد الزهراني.ويقول مدير جمعية معشوقة وتربة الخيالة عيد سعد الغامدي ان الجمعية لا تستطيع تأمين مساكن للمحتاجين وذلك بسبب قلة الميزانية والدعم كما انها في طور التأسيس وتحتاج الدعم من الجمعيات الاخرى لتأمين احتياجات مثل هذه الحالات التي هي من اشد الحالات في المنطقة التي تتبع الجمعية.