تحول المؤتمر الصحفي، الذي عقده الفنانان سميح شقير ونصير شمة، في الدوحة، على هامش فعاليات «وطن يتفتح في الحرية»، أمس، إلى حوار ثقافي، سعى الفنانان والحضور، على قلته، إلى إجلاء صورة الفنان المساند للشعوب في حقوقها، بعيدا عن السلطة. مشترطان- شقير وشمة-، الوعي بما يدور حول الفنان، قبل أن يسجل إبداعه في نصرة قضايا حقوقية يسعى الربيع العربي إلى إعادتها لأصحابها. ولخّص شمة خلال المؤتمر، الذي أداره الكاتب السوري إسلام أبو شكير، هم المبدع (فنانا، مثقفا، وأديبا) في خضم الأحداث الكبيرة في توظيفه مواهبه لخدمة الإنسان. وقال: لم أتحرك للقضايا فقط، بل لما تحمله من هم إنساني، ضاربا أمثلة بالعراق، فلسطين، غرق العبارة المصرية في البحر الأحمر، ولبنان، معتبراً الموسيقى التي لا تحمل معاناة الناس مصيرها الموت. ورأى أن الموهبة الحقيقة تستنهض خبرات الفنان تجاه أي حدث كبير، حيث لا يمكن للفنان التفرج على ما حوله. في الفن، لا يوجد موقف سياسي، هكذا يرى شمة الأمر، مضيفا نحن مع الشعب، وإذا كنا ضد دكتاتور، لا يعني أن نرضى بآخر بعد زوال الأول، مبينا أن المواقف تكون أخلاقية وليست بالضرورة سياسية، وكموسيقي لا يرى نفسه مسيسا إنما يتخذ موقفا تجاه الحقيقة فيما يحدث، وخصوصا أنها تؤثر عليه. وعاب على فنانين غيابهم عن حركة الشعوب العربية، بحجة «قطع أرزاقهم». وفي إعلان واضح نفى شمة انتماءه إلى أي حزب أو جهة سياسية، سوى «الإبداع والجمال»، لكن ذلك لم يعفه من مواجهة سيل من التكذيب، حيال ما يتخذه من مواقف تجاه الثورات العربية، وآخرها الثورة السورية، مشيرا إلى تلقيه وزوجته وابنته تهديدات عبر الجوال والبريد الإلكتروني، موضحا: لست أفضل من شاب يخرج ليتلقى رصاصة في صدره العاري. ويبتعد عن «منح صكوك حياة ومكافآت لأي فنان»، مبينا أن حدود وعي الفنان وقراءته للحدث تحدد موقفه، كما أن «الحكام ليسوا بالضرورة سيئين، لكن على الفنانين بالضرورة الابتعاد عنهم». ولم يغفل شمة ركوب فنانين موجة الثورة، لكن «التاريخ سيفرز من كان معها ومن كان ضدها»، مشيرا إلى أن عشرات الأعمال خرجت من أجل الثورة، لكن لم يتبق َ منها إلا القليل، موضحا أن «أنصاف المواهب» ليس لديها القناعة الحقيقة. وشرع شمة في عمل «أوبريت الثورة»، الذي وضع أبياته الشاعر وائل السمري من مصر، ومن تلحين شمة، ومشاركة فنانين من مصر وتونس والمغرب والعراق وسورية، وبيّن أن العمل الذي يعرض في الدوحة في الحفل الختامي الجمعة المقبلة، سينتقل إلى تونس ومصر. وأعلن أن المشاركين في العمل لم يتلقوا مقابلا ماديا، بل جاء عملهم تبرعا منهم لنصرة الشعب السوري. من جانبه، يرى سميح شقير في الأحداث الكبيرة، التي تؤثر في جوهر الإنسان، تحديا مزدوجا للمبدع، أوله إبداعي يرتقي لمستوى الأحداث، والآخر يتمثل في علاقة المبدع مع مجتمعه، ويضيف إلى ذلك قدرة المبدع على استشراف المستقبل، والنهوض بحجم الأحداث التي تمس الإنسان، وفي الوقت ذاته يعتقد شقير أنه لا يمكنه رؤية جزء من المشكلة، بل رؤيتها بشكل كامل، تعكس وجدان الناس. ويتهم شقير الأنظمة السياسة، تاريخيا، بخلق خطاب يبعد المواطن عن السياسة، وتسويق كل ما هو ضد الديمقراطية، ومن هنا يعتقد أن الفنان يجد نفسه مع الوجدان العام، وإذا أراد التأثير في السلوك عليه أولا التأثير في الوجدان. ويفترض أن الفنان إما أن يكون ثائرا أو يختبئ وراء إصبعه، مصرحا أنه ليس في صدد إدانة شاملة، وفي الوقت ذاته يرى أن كثيرا ممن اشتغل على الحرية غيب في السجون ولم يساندهم مجتمعهم، كما أن شريحة من المثقفين تخاذلوا عن حراك بهذا الحجم.