للشاعر فرحتان، وللناثر فرحة واحدة، كلاهما يهتم بالمتلقي، غير أن اهتمام الناثر بمن يتلقى فنّه النثري، عنصر مهم وأساسي من فنيّة النثر ذاته، ذلك لأن النثر معنى، والمعنى رسالة، والرسالة إن لم تصل، إن لم تنل فهما، وإمكانيات قبول، أو حتى رفضا كريما بمناقشة وجدل، فإنه لا معنى لها، إنها تفشل حتى في أن تكون رسالة فاشلة، هي ليست رسالة أصلا!، لا ينطبق هذا على فن من فنون النثر أكثر من انطباقه على المقالة الصحفية، التي هي لولا بعض الأقلام الملهَمَة، لكان تصنيفها فناً: مجازفة، ومجازفة ليست سهلة أبدا، ومن المقالة إلى كل فنون النثر، يظل المتلقي، قارئا كان أم متفرجا، جزءاً أصيلاً راسخاً لا يمكن إهماله، والغفلة عنه خيبة وانهيار، فلا يفرح الناثر بما أنجز، إلا حين ينعم بمشاركة آخرين له، وهو إن شعر بفرحة تضيء وتعشب في صدره قبل هذه المشاركة، فذلك لأنه أنجز ما يبشره بحصول هذه المشاركة على نحو لا جدال فيه، فإن خاب ظنه بفنه، عرف أنها فرحة كاذبة «حمل كاذب!»، فرحة يكنسها الحزن، ويستقر مكانها، الشاعر ليس كذلك، هو إن راقت له كتابته: فرح، فإن نشرها، وأتاح للآخرين تلقيها، فأعجبتهم، أو راقت لعدد وافر منهم، فرح فرحة أخرى، فرحة ثانية، غير مرتبطة بفرحته الأولى، ولا تشبهها كثيرا حتى!، فقد يعرض الشاعر كتابته (قصيدته)، التي فرح بكتابتها، فلا يجد لها قبولا، ولا تحظى بردة الفعل المشتهاة، فيحزن، لا شك أنه سوف يحزن، وتسكنه الحسرات، غير أن هذا الحزن لا يكنس سعادته ومباهجه وفرحته بكتابتها، يمكن للشاعر أن يفرح مرتين، ويمكنه أن يفرح ويحزن دون تداخل بين حالة وحالة، ولا يمكن للناثر إلا أن يفرح أو يحزن، كثير من القصائد حين أقرأها، لا أجد خلفها غير ناثرين عرفوا الوزن وسهلت عليهم القافية، وعدد من الكتابات النثرية أمر بها، فألتقي بشعراء.. كلمة أخيرة: عدد من الشعراء الشباب، يبعثون لي بقصائدهم، يطلبون رأيي فيها، يخجلني كرمهم ويسعدني تقديرهم، لكني مجبر على القول: على الشاعر أن يتيح لقصيدته فرصة الوصول إلينا كقراء، دون طلب رأي فيها، فإن كان رأي قارئها فيها مهما لهذه الدرجة، فليكتب نثرا، هو ناثر، ناثر، وليس في هذا ما يعيب!