الشعب يريد رحيل الهلام، الشعب يريد إسقاط الوهم، الشعب يريد إسقاط الظلام، الشعب ينادي بصوت واحد كالسيل الهادر والأسد الكاسر: ارحل... ارحل... ارحل... فالشعب لا يريدكم، ولن ينخدع – بعد اليوم – بحيلكم وزيفكم وأكاذيبكم وشعاراتكم المخدرة، لقد انكشف المستور، وخرجت فضائحكم وسرقاتكم وخيانتكم إلى النور، لقد انتهى زمن الوصاية الجبرية على الشعب القاصر، موعدنا معكم جمعة النصر، وجمعة التأييد، وجمعة الشهداء، وجمعة الممانعة السلمية، وجمعة تصحيح المسار، وجمعة التضامن، وجمعة النصر والبشائر، وجمعة التحذير من الالتفاف الغادر، وجمعة وألف ألف جمعة حتى تفهموا ما يريد الشعب، وترحلوا، وتغادروا بلا رجعة – محملين بِوِزْرِ ما سرقتم وإثم ما أفسدتم - غير مأسوف عليكم. هذه طائفة من المصطلحات الشجاعة الجديدة الشريفة التي أضافتها إلى قاموسنا البارد، وفرضتها على معاجمنا العربية النائمة والنفعية والمسيّسة، مدرسةُ الربيع العربي بجراحها وشهدائها وفدائها وتضحياتها ورصيد تجربتها وتحدياتها. سنوات طويلة من الاستبداد والقهر والاستعباد سممت فكر هذه الأمة المحمدية، وشوهته ومسخته جيلاً بعد جيل، وأرضعتهم مفردات الجبن والخور والاستسلام والتبعية، مفردات نسبها البعض – زوراً وبهتاناً - للإسلام وهدي خير الأنام: ليس بالإمكان أفضل مما كان، ما بيدنا حيلة، اتسع الخرق على الراتق، اقتربت القيامة، التحذير من تلك الفتنة ونسيان ألف فتنة وفتنة، الحوار الراقي والهادئ - بين العاجزين - هو مفتاح الإصلاح الأوحد، بيضة لا تتحدى حجراً، لا تغتروا بنداءات الغرب حول العدل والمساواة والحرية، إنهم لا يريدون الخير لكم، وهم يكيلون بمكيالين، لا تسمعوا لهم فهم يحسدونكم، وأنا الضمان الوحيد لكم أمام الإرهاب والعدو الخارجي المتربص الذي لا يرحم، تمسكوا بالفكر الداخلي، وحذار من الفكر الخارجي والعمالة للأجنبي. إن نداء الربيع العربي الذي كاد أن يصبح شعاره المميز: ارحل... ارحل... ارحل ما هو إلا نداء اضطر إليه اضطراراً، قاله بهدوء معاتباً ومنادياً، وواصل الشعب النداء لأنه لم يكن يعرف – في أول الأمر – كل الحقيقة المرة وهي صمم المنادى الاختياري وسمعه الانتقائي وكبره الأزلي وباطنه العفن. وأصل النداء بصوت أعلى وأقوى، ولم ييأس، ونادى بمفردات أخرى وكلمات جديدة وجريئة اخترقت – بعد حين - جدار الصمت وبدأت ملحمة إسقاط أصنام الوهم. أمنية عزيزة تدغدغ الأرواح وتنتشي لها قلوبنا المتعبة، متى يتحول نداؤنا بحق ويتغير بصدق؟ متى يغادر قاموسنا بل رجعة هذا النداء المخجل - لهم وليس لنا: ارحل... ارحل... ارحل؟ متى تصوغ آيات الكتاب و دماء الشهداء وبطولات الميادين نداءً جديداً ولحناً حبيباً؟ لحناً عذباً ندياً مباركاً يتصل سنده العالي بالسماء. نداء تتمناه أرواحنا لنقوله شعاراً، ونعيشه واقعاً، ونعلمه لأبنائنا، ونهديه للعالم الحيران: ابق أيها الخليفة المسلم العادل، ابق وأنر الأرض بصلاحك وإصلاحك، ابق وعلم البشرية عدل الإسلام وجمال الحق، ابق... ابق... ابق... فالشعب المسلم الواعي يريدك ويريد إبقاء النظام، نظام الإسلام والعدل والحرية والعزة والكرامة والنور وإرادة الخير للناس وكل الأرض، أمنية عزيزة نظن أننا بذرنا أولى بذورها، وسقيناها بالقليل من دمائنا، أمنية غالية، ودعاء ملح، ونداء ننتظر مقدمه، ووعد الله حق، وما ذلك على الله بعزيز.