إلى جانب النظام الإيراني، يُعد النظام السوري أحد أعمدة صناعة «الفوضى المضبوطة» في المنطقة. فهو التاجر الخبير بها وفيها الذي لطالما تلاعب بالمكونات الداخلية والمعطيات الخارجية الإقليمية لصالح هدف واحد فقط وهو تمتين نظام حكمه وتعزيزه والحفاظ عليه بأي وسيلة كانت. هذا النظام شأنه في ذلك شأن جميع الأنظمة التي تفتقد إلى شرعية داخلية بحاجة إلى غطاء يدرأ عنه هذا الخلل الخطير الذي يهدد زوال ملكه، فيلجأ إلى اكتساب شرعية خارجية سياسية واجتماعية ودينية وإقليمية ودولية. تحت شعار «الممانعة» و»القضية الفلسطينية» كسب قطاعاً عريضاً من العوام الإسلاميين والقوميين. ثم تحت شعار أنّ حكمه علماني وليس إسلاميا كسب قطاعاً واسعاً من الأقليّات الطائفية والمذهبية والدينية. وقد أمن أيضا جانب إسرائيل بتنازله عن الجولان التي مازالت محتلة منذ أكثر من أربعين سنة دون طلقة رصاصة واحدة وهو يحاضر على غيره بالمقاومة وبالتحرير. وبينما يفقد النظام السوري كل مقومات بقائه أمام استنزاف الثورة السورية له، يعود من جديد إلى سياسات تصنيع القاعدة حسب الطلب. إذ فجأة، ودون سابق إنذار، تحول النظام السوري إلى حمامة والقاعدة إلى وحش كاسر متغلغل في البلاد، رغم أنّ أجهزة استخبارات النظام السوري التي يتجاوز عددها ال17 لا تترك دابة في سورية إلا وتعرف عنها. يبدو واضحا الآن بشكل لا يدع مجالا للشك أنّ «القاعدة» أصبحت ذريعة لكل من يريد أن يتاجر بالأمن. النظام السوري يعيد على ما يبدو التجديد لسياسته القديمة التي تقوم على تصنيع الفوضى وإيجاد المشكلة ثم مفاوضة الأمريكي والإسرائيلي على حلها ليأخذ مكافأة عليها. فقد استطاع بذلك سابقا أن يكسب الأمريكيين بتسويقه محاربة الإرهاب والإرهابيين (الذين يصنعهم بنفسه لاستخدامهم عندما يواجه ضغطا ولمقايضتهم عند وجود تفاوض، وحالة العراق ولبنان سابقا خير دليل على ذلك). في وثيقة من ويكليكس، يقول مدير المخابرات في النظام السوري المدعو علي مملوك لمنسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية دانيال بنيامين أثناء زيارته إلى سورية في 24/2/2010: «النجاح السوري تمثل في اختراق المجموعات الإرهابية وحصول سورية على ثروة من المعلومات أثناء توغلها في الجماعات الإرهابية. من حيث المبدأ نحن لا نهاجمهم، ولا نقتلهم، بل نتمدد داخل هذه المنظمات عن طريق اختراقهم بعناصرنا، فقط في اللحظة المناسبة نتحرك». إذا لا توجد لحظة مناسبة للنظام السوري أكثر من هذه اللحظة لصناعة وإطلاق العمليات الإرهابية ليقول للعالم لا ثورة في سورية، وإنما إرهابيون ومتطرفون وأنا أقوم بعملي عنكم ولكم وأحمي السلم والأمن الدوليين من هؤلاء المتطرفين، هل سينجح؟ التاريخ ينبئنا أنّ هذه الألاعيب سرعان ما تنقلب على صاحبها.