عماد علي بو خمسين بعد خمس دقائق من ولادة الإنسان، و بمجرّد ما إن ينتهي من بكائه الأول، يخسر فطرته شيئاً فشيئاً، بسبب تأثير من حوله عليه، وتبدأ عملية غسيل المخ اللاشعورية، حسب المعتقدات حوله، و في الغالب تستمر عملية غسيل المخ حتى الوفاة. إننا نستغرب جداً إذا علمنا أنَّ هناك من يعبدون البقر، وفي المقابل، يستغرب جداً من يعبدون البقر إذا علموا أنَّ هناك من لا يعبد البقر! والواقع أنَّ الاستغراب ليس بسبب ذكاء طرف وغباء الطرف الآخر، و إنما كل من ورث معتقداً عن أهله، ظنَّ أنه الحقيقة، وأنَّ الآخرين مخطئون. والله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان نفْساً تتبع الهوى، وأعطاه عقلاً قاصراً، لذلك فهو غالباً يصدر أحكامه بناءً على تأثّره بالمجتمع، وما ورثه من عادات و تقاليد، وليس بناءً على التحليل المنطقي و الدليل العقلي؛ لهذا فمن الأفضل أن نترك من نظن أنه مختلفٌ معنا وشأنه، فإن كان تصوُّره قاصراً، فلا يكلّف الله نفساً إلا وسعها، الله خلقه وخلقنا بعقولٍ وأنفسٍ قاصِرة، والله سيحاسبه ويحاسبنا وهو القائل: «لست عليهم بمسيطر». الناس مشغولون في الجري خلف أرزاقهم و مشاغل الحياة، وليس لديهم الوقت لاكتشاف الحقيقة والبحث عنها، لذلك فهم يتبنّون الحقيقة التي وجدوا آباءهم عليها، ويعتبرونها الحقيقة المطلقة، ويبدو من العبث استخدام المنطق والأدلة في إقناع العامة، بأنَّ الحقيقة التي لديهم ليست بالضرورة هي الحقيقة الصحيحة، لأنّ الناس بشكلٍ عام يؤمنون بالحقيقة التي ورثوها، حتى لو كانت خاطئة، وتعارض كل أنواع المنطق! وإذا وجدتَ إنساناً بدأ في البحث والسؤال، ثم وصل لحقيقةٍ تختلف عمَّا لديك، فعليك أن تعتبره بطلاً حتى لو اختلفت معه، لأنَّ من يقاومون عمليات غسيل المخ والأدلجة، قليلون جداً، وشجعان جداً. فالحقيقة ليست واضحة عند الناس كلهم، بل هي غامضة، لأنها تختلف من فئة لأخرى، ومن فرد لآخر، وعليه فمن الطبيعي أن يخطِئها البعض ويصيبها البعض الآخر، والحقيقة كذلك متعددة وليست واحدة. إذن فمن المحتمل أن ترى شخصين مختلفين في الفِكر، وفي نفس الوقت كلاهما على صواب. لهذا فمن الأفضل أن تعذر الناس إذا لم يصلوا إلى ذات الحقيقة التي وصلت إليها. قال حكيم: من امتلك جزءًا من الحقيقة يظن أنه امتلكها كاملةً، وهذا هو حال الجميع، أنا و أنتَ وهُوَ وكلّنا، وهذه من طبيعة البشر القاصرة. لقد تعلّمت في المدرسة، وفي المجتمع، عكس النقاط المذكورة أعلاه تماماً. وتمنّيت لو أنّ أحداً علمني ذلك في المدرسة، لقد احتجت عمراً كاملاً حتى اكتشف ذلك بنفسي!