في آخر اتصال بيني وبينه يحادثني مبتهجا كعادته، وقال بالحرف الواحد: بسام لقد ركبت جملة مجنونة على النص الذي أعطيتني.. اسمعها!. وراح يدندن بعوده وصوته الرخيم بها (إذا حبيبك عسل لا تاكله كله)، ووقتما انتهى بادرني بعجل: هيا أرسل لي مجموعة نصوص، فنفسي مفتوحة ومشتهية للإبداع والتلحين، ولا تسألني من سأعطيها، سأهاتفك وأقول لك لمن! هكذا كانت آخر محادثة بيني وبينه، وكعادته يبادرك فجأة دون مقدمات وكلام فضفاض والمفردات الحاجزية التي ما يضعها بينك وبينه أي متصل بك (شاكر لك على اتصالك). فصالح يشعرك بأن الحياة جميلة وفاتنة حينما يتصل بك بضحكته المجلجلة الرهيبة. أما برحيله الآن، فلا ضحكة مجلجلة ولا فاتنة، فقد رحل صاحبها، رحل من ملأ الدنيا حباً بقلبه، ولون الفنان والشاعر الوجود الأبيض بروحه. صالح الشهري صاحب أجمل أعمال فنية رددها على مسامعنا جيل كامل وتشكلت ذائقته على ألحانه، فمن (ياناس أحبه وأحب أسمع سواليفه، ورهيب والله رهيب، ورجاوي وما أوعدك وعين تشربك وصحيت جمرة إلى: أسعد الله مساك، التي تغنت بها نانسي عجرم) وصاحب أجمل معلقات سيمفونية من لُقلب ببيتهوفن، أذكر أنه قال لي: كنت في إحدى المكتبات وراحت يدي تلتمس ديواناً للشاعر سعد الخريجي فاقتنيته، وفي الليل وقعت عيناي على أغنية (يا ناس أحبه) فقمت بتلحينها وصنعت منها أغنية قبيل حرب الخليج راح يتغنى بها الشباب في تلك الفترة العصيبة (هو هكذا صالح الشهري النبيل الوفي الوطني الذي خدم الوطن في ترسيخ مفهوم الوطنية في أعماله العظيمة الذي خدم الفن السعودي وأوصله إلى الوطن العربي بل للعالم أجمع. رحمك الله رحمة واسعة، ووداعاً يا أبا علي، وإليك أغنيتك الأخيرة! رباعيات: متي تعود المياه إلى مجاريها طاح الحطب يا حبيبي والزعل خله أنا عطيتك حياتي وكل ما فيها وإذا حبيبك عسل لا تاكله كله