يبدو أن الشيخ لم يستفِد من هفواته السابقة وهو من يلقبه مريدوه ب»الداعية»، واعتذاره العلني -عفا الله عنه وهداه- بعد أن وصف حبيبنا محمداً عليه الصلاة والسلام بأنه كان يبيع الخمر أو يهديه قبل بعثته، فهو لايزال يئنّ بتسرعه وعجلته التي تتنافى مع ما يقدمه لطلابه كونه أستاذاً في جامعة الملك سعود من صفات يجب أن يتحلى بها الداعية المسلم. فالدعوة إلى الله هي وظيفة الأنبياء والرسل عليهم السلام. قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا(46)» (الأحزاب)، فهل أدرك (الشيخ) المفهوم الحقيقي لعبارة (سراجاً منيراً) التي ربطها الله عز وجل بالرسل والدعاة وهو ينقل مقولات (حدثني...) و(أرسل لي...)، فالدعوة يقين وحكمة وموعظة حسنة، يقول ابن سعدي (رحمه الله) في تفسير «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة»: من الحكمة، الدعوة بالعلم لا بالجهل، والبدء بالمهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين. هل تنبه (الشيخ) وهو يحد أسلحته الهجومية كعادته دون أن يعي مسؤوليته الدعوية ضد من يخالفه في الفكر كما فعل مع (سبق) حينما طالب بمقاطعتها لأنها لم توافقه الرأي و(حصة) التي لم يعر اهتماماً لنفيها، أو لوصفه الصحفيين وهم من البشر الذين كرمهم الله عن سائر مخلوقاته ب(البصاق)، واستعجاله في حديثه عن الشيخ محمد حسان عندما قال عنه إنه قبل عشرين سنة كان عاملاً بسيطاً بمزرعة، لينهال عليه متابعوه في (تويتر) بالردود والبراهين مما جعله يلملم شتات تسرعه، لقول شيخنا ابن باز رحمه الله: إن الواجب على الداعية أن يدعو إلى الإسلام كله، ولا يفرق بين الناس، وأن لا يكون متعصباً لمذهب دون مذهب، أو لقبيلة دون قبيلة، أو لشيخه أو رئيسه أو غير ذلك، بل الواجب أن يكون هدفه إثبات الحق وإيضاحه، واستقامة الناس عليه، وإن خالف رأي فلان، أو فلان. نعتب على (شيخ) مثله وهو أحد أعضاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن ينساق خلف أحاديث (مجالس النساء) وأن يكون البادئ في شن الهجمات (الإلكترونية) على مخالفيه دون تدبر للمصداقية كما يفعل بعض شبابنا المراهق وتجييشه لمريديه من خلال طرحه لمقاطعه المرئية في أسواق شبكات التواصل الاجتماعي التي تؤجج الخلاف (وهو الداعية) المؤتمن على الإصلاح والصلاح، كنا نتمنى من (الشيخ) أن يعود لأمهات كتب معلمه وشيخنا ابن باز ليقرأ قوله: في المجتمع الإسلامي، ووجود القائد الإسلامي الذي يعينك يكون لك نشاط أكثر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاتصال بالمسؤولين عند وجود المعاندين، والذي يخشى من عنادهم الخطر على المجتمع، وتكون مع ذلك سالكاً المسلك القويم، بالرفق والحكمة والصبر. إن من حكمة علمائنا السلف أن كانوا يُمسكون عن الفتوى في الدماء والفتن، فما بال (الشيخ) وهو الداعية المعروف لنشر ديننا الإسلامي الذي قدم الحكمة على الموعظة بالرغم من حسنها واستقامتها لم يستمع لوصية (ابن باز) للدعاة عندما قال: إياك والعجلة وإياك والعنف والشدة، عليك بالصبر، عليك بالحلم، عليك بالرفق في دعوتك. نأمل من (الشيخ) أن تتخلص عيناه من وهج إضاءات الإعلام وأن يتأمل آيات الله ملياً وهو صاحب العلم وأن تكون دعوته إلى الله على بصيرة كما قال تعالى في (يوسف/ 108) وأن يستمع لقول كبار علمائنا ومن وصفه بأنه يفسر أحاديث الرسول حسب هواه، بصوت العقل. أن يستفيد من أفعال من نهل من علمهم، عندها سيتضح له أنهم لم يلجأوا إلى تكفير المخالفين والتشنيع بهم وإخراجهم من الملة، فذلك ابن باز رحمه الله يقول عندما سئل عن من اتهم بالردة: إذا قامت عليه الأدلة والحجة الدالة على كفره ووضح له السبيل ثم أصر فهو كافر. لكن بعض العلماء يرى أن من وقعت عنده بعض الأشياء الشركية وقد يكون ملبساً عليه وقد يكون جاهلاً، ولا يعرف الحقيقة فلا يكفره، حتى يبين له ويرشده إلى أن هذا كفر وضلال، وأن هذا عمل المشركين الأولين، وإذا أصر بعد البيان يحكم عليه بكفر معين. ذلك رأي مفتينا رحمه الله فما بال (داعيتنا) يقول لمجرد رؤيته لأسطر كان ينبغي أن يتثبت من مدى صدقها، يقول الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتي عام المملكة في قضية (حصة) التي شغلت الرأي العام الأسبوع الماضي والتي بدأها (داعيتنا) بالبكائيات ومن ثم التشهير والتأليب ، أن ما يجب عليه هوالتأكد من أي قول وصحة نسبته للشخص، لأن الأجهزة الحديثة تُختَرق ويُكتَب فيها أشياءٌ قد يتبرّأ منها كثير ممّن نُسبت إليهم، مشدّداً على أنه من الواجب على المسلمين النصيحة لمَن زلت به القدم وليس الفرح بأخطائهم والشماتة بهم. أرجو أن يكون (الشيخ) ممن قال الله عنهم: «يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يُؤتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب» (البقرة: 269)، فنحن بحاجة لسعة الصدر عند الدعاة والمربين لبلوغ مراتب الكمال في التربية والتعليم، وإبقاء الصورة السمحة التي تحملها أذهان الأجيال عن حملة الدعوة بدلاً من تلك الحملات (الساذجة) لتقسيم الوطن وزرع الفتنة بين طوائفه وتياراته الفكرية أو لمجرد تصفية حسابات.