كانت الشاحنات في الماضي وسيلة معتادة لنقل المسافرين عبر فيافي صحراء الجزيرة وقفارها، وكان الركاب قسمين؛ أقلية تستمتع بمرتبة مريحة وكابينة مغلقة، وتتحكم في إصدار القرارات المصيرية في الشاحنة مثل اتجاه السير وزمان الوقوف والمبيت ومكانهما. وأغلبية بائسة، متراصين في صندوق الشاحنة، يُواجهون لفح السموم وزمهرير الشتاء وغبار الصحراء، وليس لهم أي رأي في قرارات السير والوقوف. انقرض هذا المشهد غير الإنساني وغير الديموقراطي ولله الحمد، ولكن مع الأسف حل محله مشهد آخر، لا يقل عنه بؤساً ومأساوية. ففي بعض شركات المساهمة المُدرجة في السوق، ذات الجذور العائلية، ينقسم المساهمون إلى نفس تقسيم ركاب الشاحنة؛ يتمتع عدد قليل من المساهمين (المؤسسين) بنعيم الشركة ومواردها وامتيازاتها ومكافآتها، ويتحكمون وحدهم في قراراتها، في حين يعاني المساهمين الذين قفزوا إلى صندوق الشركة عند الاكتتاب ثقة منهم في أمانة المؤسسين وكفاءتهم ونزاهتهم، وأملاً في مشاركتهم تمويل مشاريعهم والحصول معهم على نصيب من الأرباح. ومع الأسف فإن عشم ركاب صندوق الشركة وحسن ظنهم بمؤسسيها نادراً ما يُصيب، فيقعون ضحايا غياب الذمة والأمانة وسوء الإدارة ويخسرون مُدخراتهم. ولذا سعت لائحة حوكمة الشركات إلى إعادة التوازن بين مساهمي الشركة عبر اشتراط وجود عدد من الأعضاء المستقلين في مجلس الإدارة لا يقل عن الثلث، وإقرار التصويت التراكمي بهدف تمكين المساهمين من غير كبار الملاك من الحصول على مقاعد في مجلس الإدارة. أعتقد أنَّ هذه الإجراءات ستكون أكثر فعالية بعد صدور نظام الشركات الجديد، عجل الله به، لأنه سييسر عقد جمعيات المساهمين، وسيفرض التصويت الإلكتروني والتصويت التراكمي على جميع الشركات.