نظّم معهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية بالمملكة العربية السعودية مؤتمر (الشباب الخليجي: دول الخليج العربية من التعاون إلى الاتحاد) مطلع الأسبوع الماضي. وعلى مدى يومين تمت مناقشة عدة أوراق عمل صاغها الشباب، ودارت حول المحاور الآتية: الأبعاد السياسية والإستراتيجية للاتحاد، الجوانب الاقتصادية للاتحاد، المكونات الاجتماعية والثقافية للاتحاد، الاتحاد الخليجي: رؤية مستقبلية. ورافق المؤتمر ورشتا عمل شملتا المواضيع التالية: أمن الخليج، سوق العمل والشباب، دور الشباب في اقتصاديات المعرفة، الشباب والتعاون الثقافي والعلمي، دور الشباب في حماية اللحمة الوطنية، الشباب ودعم جهود التكامل الخليجي. لا يتسع المجال لاستعراض كل ما دار في الأوراق أو المناقشات، ولكن برزت عدة أفكار كانت تدور في ذهن الشباب الخليجي، يمكن حصرها في الآتي: • الاتحاد ليس ضرورة، بل قدر حتمي يجب إبرازه إلى الوجود نظراً للتحديات والتهديدات التي تواجهها دول وشعوب المنطقة. • الكونفدرالية أفضل الصيغ للاتحاد الخليجي. • الاتحاد التكاملي (المعتمد على التكامل الاقتصادي) أفضل الصيغ، وأنه لو تم التركيز على التكامل الاقتصادي سوف يكون الأفضل للتسريع في قيام الاتحاد. • الاتحاد الأوروبي قد نجح في وحدته نظراً لوجود مؤسسات مشتركة سدّت فجوة «السيادات» الخاصة بالدول. • تراجع الثقة بضمانات الدول الكبرى يحتم قيام الاتحاد. • الاتحاد دون حريات لن تقوم له قائمة. • الاتحاد سوف يحقق الأمن الجماعي عبر الجيش المشترك وتدعيم القوات الأمنية. • قيام الاتحاد يستلزم تقديم تنازلات من الدول الأعضاء، وأن يتم إشراك الشعب في القرار الاتحادي. • يجب إصلاح (البيت الخليجي) من الداخل قبل قيام الاتحاد. • لابد من تحقيق العدالة الاجتماعية، وإزالة الأنماط القبلية السائدة، وحسن إدارة الثروة والإصلاح السياسي قبل قيام الاتحاد. سمعت هذه الأفكار من الشباب، الذين كان بعضهم مندفعاً ل(الاتحاد) بصورة غيّبت عنه حقائق الجغرافيا والتاريخ والذاكرة، بينما كان الآخر أكثر واقعية عندما لمس العقبات التي تحول دون تحقيق الاتحاد بصورة سريعة. أتى هذا المؤتمر تداعياً مع دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز خلال قمة التعاون الأخيرة بالرياض في ديسمبر الماضي، بتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد يحقق الخير ويدفع الشر! ولأن هذه المبادرة قد جاءت في وقتها، حيث إن التهديدات الإيرانية قد تجاوزت مرحلة القول إلى الفعل عبر المناورات الاستفزازية في المياه الخليجية، وآخرها زيارة الرئيس الإيراني (محمود أحمدي نجاد) لجزيرة أبوموسى التي تحتلها إيران منذ أوائل السبعينيات مع جزيرتين أخرتين، وكذلك تداعيات (الربيع العربي) ووجود بوادر «تصدير» هذا الربيع إلى دول الخليج العربية، عبر الجماعات «الإسلاموية» التي تعيش دهوراً في المنطقة وتتحكم في التعليم وبعض المؤسسات الشبابية الأخرى! كما بدت بعض دول (الربيع العربي) أكثر حساسية تجاه دول مجلس التعاون، الأمر الذي أدى إلى «انفلات» في القول والفعل، كما حدث مع حادث الاعتداء على السفارة السعودية في القاهرة، على إثر ضبط السلطات الأمنية السعودية لمصري يحمل معه أقراصاً (مخدرة) يُحرّمها القانون السعودي؛ وما تلا ذلك من تداعيات تم على إثرها سحب السفير السعودي من القاهرة.الاتحاد خير وواجب، وهو الدرع الواقي من تقلبات الأيام، ولكن مع اندفاعنا وحماسنا لهذا الاتحاد، يجب ألاّ نفرط في التفاؤل! فالواقع السياسي -على الأرض- لم يحقق أهداف التعاون المنشودة على مدى ثلاثين عاماً من عُمر مجلس التعاون!. كما أن هنالك دولاً أعلنت صراحة عدم قبولها بصيغة الاتحاد وترى الإبقاء على صيغة التعاون. في الوقت الذي بقت دول أخرى صامتة لم تحدد موقفها من الاتحاد، ولربما حتى ترفع اللجنة المنوط بها صياغة (شكل الاتحاد) إلى قادة دول المجلس، والمتوقع أن يكون ذلك في القمة التشاورية التي تستضيفها -كل عام- المملكة العربية السعودية في شهر مايو.نحن نعتقد أن تحقيق الاتحاد على المدى القريب ليس سهلاً، كما يتوقع المتفائلون! ذلك أن المكونات الاجتماعية والثقافية والأواصر والتماثل والواقع الاقتصادي والعادات والتقاليد والطموحات الشعبية التي كانت منطلقاً لإنشاء مجلس التعاون، كما جاء في ديباجة النظام الأساسي للمجلس ما زالت قائمة، وهي لم تحقق التعاون المطلوب! فيكف يمكن الاعتماد عليها لتحقيق الاتحاد؟كما نعتقد أن مجلس التعاون الذي جاء نتيجة فراغ القوة في المنطقة في أوائل السبعنيات وبغية الدول حماية نفسها من مصادر التهديد الخارجي والإقليمي، فإن الاتحاد أيضاً يأتي نتيجة ذات الظروف، ولربما ظروف أصعب، قد يكون بعضها داخلياً ولم يكن موجوداً إبان قيام المجلس في مايو 1981.لذا فإن قيام التنسيق الدفاعي بين دول المجلس هو الأقرب إلى النجاح دون الدخول في «تصاريع» الاتحاد ومستلزماته؛ وليستمر التعاون الأشمل على وتيرته التعاونية.إن تلاحم شعوب الخليج مع حكوماتهم سوف يظل العامل الحاسم في تلافي أية أخطار مستقبلية!. وهذا التلاحم يفرض ضرورة وجود مزيد من الإصلاحات السياسية، ومزيد من الحريات، ومزيد من الثقة في المواطن الخليجي، وأيضاً يفرض مراقبة «الأصابع الخفية» التي تعبث في المنطقة تحت «دعاوى» متعددة! وشكراً لمعهد الدراسات الدبلوماسية الذي نظّم وبنجاح هذا المؤتمر.