الطفل مسؤولية الأسرة والمجتمع، فبقدر ما نحيطه من رعاية واهتمام ينشأ سليماً خالياً من المشكلات السلوكية والعقد النفسية، التي قد تؤثر عليه وتسبب له الكثير من الأزمات في حياته، فمتى ما عزز الأب والأم ثقة الطفل بنفسه وبمن حوله أسهما في بناء شخصية متكاملة ومتوازنة له، لذا كان من الضروري ملاحظة الاضطرابات، التي تطرأ على صحته النفسية، بما في ذلك اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه. الدكتورة ميساء البريك، الاختصاصي الأول في علم النفس السريري، أوضحت للصفحة الطبية أن فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، اضطراب سلوكي ذو جذور عضوية، يصاب بها الطفل فيصبح اندفاعياً غير قادر على التركيز والتحكم بتصرفاته، وهو من أكثر الاضطرابات السلوكية شيوعاً في مرحلة الطفولة، حيث تصل نسبتها إلى 5% في الأطفال في سن ما قبل المدرسة وسن المدرسة. وأوضحت الدكتورة البريك أن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، يعود في الغالب إلى خلل في بعض النواقل الكيميائية في الجهاز العصبي، أو لأسباب وراثية في نفس الأسرة، وقد تسهم بعض العوامل الأخرى بدرجات متفاوتة إلى ظهور أعراض هذا الاضطراب، مثل تعرض الطفل لضربات الرأس نتيجة لحوادث السيارات أو الإصابات، أو الخضوع للعلاج الكيميائي أو الإشعاعي. كما أبانت الاختصاصية أن من أهم الأعراض التي تظهر في الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة، الاندفاعية، عدم الجلوس بالمكان لفترة مناسبة، التحدث كثيراً، والحركة المستمرة مثل القفز والركض، والتسلق. أما أعراض تشتت الانتباه فغالباً ما تبدو في صعوبة التركيز في موضوع واحد بشكل متواصل، وتشتت الانتباه، والنسيان، وعدم إنهاء الأعمال وفقدان الأشياء. وأكدت الدكتورة ميساء على دور الأهل في مراقبة التغيرات السلوكية الطارئة على أطفالهم في المنزل، ومتابعتها مع المعلمين في المدرسة، وشددت على أن ظهور أحد أعراض فرط الحركة وتشتت الانتباه لا يعدّ دليلاً قاطعاً على الإصابة باضطراب، بل قد يكون نتيجة لمعاناته من القلق أو الإحباط جراء تعرضه لمشكلة نفسية ما في البيت أو المدرسة، إذ إن الأمر يحتاج إلى تشخيص دقيق ومتابعة من طبيب أطفال مؤهل. وذكرت الدكتورة البريك أنه عادة ما يصطحب الأهل أطفالهم للعيادة، من أجل التشخيص في سنوات المدرسة، حيث ترتكز شكواهم من كثرة اندفاعية وحركة وثرثرة الطفل في الصف الدراسي، مع عدم قدرته على التعلم نتيجة لصعوبة تركيزه وبطء استيعابه وتفاوت معدلات التحصيل العلمي لديه، فنجده يتفوق في مادة ويخفق في أخرى، إضافة إلى انحسار القدرة على اكتساب رفاق في محيطه. وهنا يأتي دور المدرسة التي يتوجب عليها المشاركة الفعالة والاهتمام في تطبيق البرامج العلاجية، التي يعدها الاختصاصي النفسي بالتعاون مع الأسرة لعلاج هذا النوع من الاضطراب السلوكي في الطفل. وأشارت الاختصاصية بقولها: «لابد أن يفهم الأهل أن الأطفال المصابين بزيادة الحركة وتشتت الانتباه لا ذنب لهم في حركتهم الزائدة، فقد تكون المشكلة نتيجة مرض عضوي، مثل ضعف السمع أو البصر ومشكلات في النطق وجميعها يجب معالجتها قبل البدء في التشخيص، والعلاج النفسي والسلوكي، المهم هو أن تتسع صدور الأهل لمعالجة مشكلة طفلهم بالتعاون مع الاختصاصيين، من خلال الحرص على فتح قنوات للتواصل معه، فهذا سيجعل الطفل أكثر ارتياحاً وقابلية للعلاج». واختتمت الدكتورة البريك حديثها، إنه عند زيارة العيادة النفسية، سيبدأ المختص التشخيص فوراً، ثم سيتبع الخطوات التالية: وضع خطة علاج بناءً على حالة الطفل واحتياجاته، من خلال مجموعة من الاختبارات السلوكية، لقاء الأطباء والمختصين بالوالدين والمدرسين والطفل لطرح الأسئلة ومناقشة الحالة، التوعية باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، استخدام الدواء المناسب، تدريب الوالدين على التعامل مع الطفل وضرورة تقبله، واستبدال بأسلوب التأنيب والعقاب أسلوب التحفيز والتعزيز النفسي، مع التركيز على أهمية تطبيق أسلوب سلوكي تربوي متبادل بين العيادة والمنزل والمدرسة لعلاج الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، وهذا أثبت بنجاح فعاليةً واستجابةً كبيرين. يشار إلى أن نتائج الدراسات التي أجريت في المملكة العربية السعودية على عينة من طلاب المدارس في المرحلة الابتدائية، أوضحت أن نسبة الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه تبلغ 16.5% في المنطقة الشرقية.