لا أحد يستطيع أن يقلل من شأن أهمية الجنس في حياة كل البشر على اختلاف أعراقهم ودياناتهم. ومن الخرافات الكبرى عن أمة العرب في هذا السياق أنهم يحبون الجنس أكثر من غيرهم، وتقال هذا العبارة على سبيل التفاخر حيناً والذم أحياناً أخرى، إلا أني أعتقد أن هذا الأمر ليس له أسانيد علمية صحيحة، فالجنس عند الجميع يظل هو أحد الغرائز الإنسانية الأصيلة بعد غريزة البقاء والغذاء، وبالتالي فإن كان الجنس بهذه المركزية المحورية في حياة الناس فلا غرو إذن إن وجدته محركاً لكثيرٍ من سلوكياتهم ومؤثراً لعددٍ من قضاياهم ويتدخل في تقييمهم للأمور بشكل مباشر أو غير مباشر. وعندما أنظر لمشكلاتنا العامة في المملكة، وأغوص عميقاً بحثاً عن أسبابها، أجد أن السبب الأول أو العلة الأولى لكثير منها هي موضوع الجنس أو أن الجنس يدخل بطريقة وأخرى ليكون أحد أهم روافدها. من هذا المنطلق، أتصور أن لدينا في المجتمع السعودي مشكلة خاصة ومميزة عن غيرنا من المجتمعات مع هذا الموضوع بالذات، إلى درجة أنها طغت بأهميتها وأولويتها على كثير من القضايا التنموية الحيوية. ومع مرور الزمن بات هو الموضوع الباطني الأول الذي يتصارع حوله المثقفون من ليبراليين وإسلاميين، ففيه يكون الشقاق والاتفاق، وبه يفتن الناس ويمتحنون، وحوله يتقاربون ويتفارقون، وكم على مقصلته صلب البعض والناس ينظرون. والأمثلة كثيرة حول خبيئة الجنس كمنطلق لكثير من قضايانا، ولعل قضية قيادة المرأة للسيارة هي مثال صارخ على ما ذهبت إليه. فمن نافلة القول، أن المملكة هي البلد الوحيد في العالم التي تمنع المرأة من قيادة السيارة حتى الآن. ومن العجائب أن هذا الموضوع رغم بساطته في نظر الكثيرين، إلا أنه شحذ الأذهان ليستهلك كثيراً من الطاقات الفكرية، وليكُتب عنه آلاف الأطنان من الأوراق، وليسال من أجله الكثير من الأحبار في تفصيل ممل للبحث في أمر واحد، وهو هل نسمح للمرأة بقيادة السيارة أم لا؟! هذا الغوص في التفاصيل، أوصل هذه القضية إلى أبعاد ومرامٍ بعيدة، مما جعل الآراء تتباين حولها حتى وصل الأمر أن تشكل لدينا في المحيط الثقافي السعودي فريقان متضادان. الفريق الأول المتحفظ، يرى أن السماح للمرأة بقيادة السيارة سوف يساهم في زيادة نسبة خروجها من المنزل، وهذا الخروج سوف يؤدي بها حتماً إلى زيادة اختلاطها مع مجتمع الرجال، مما يؤدي بها في النهاية إلى مهاوي الردى ومساقط الرذيلة، بأن تكون ريشة في مهب ريح الطامعين بها شراً. هذا التحليل المتسلسل والسريع يوضح كيف أن قضية الجنس هي السبب الأول وراء رؤية هذا الفريق المتحفظ، وكنتيجة لذلك فإن أصحاب هذا التوجه يرمون أحياناً من يخالفونهم بأنهم قد يحبون أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين. في المقابل، نجد أن الفريق الذي ينادي بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، ينطلقون من ركيزة أساسية في هذا الموضوع، وهي أن هذا الأمر ليس له علاقة بعفة المرأة لا من قريب ولا من بعيد، بل يرون أن السماح للمرأة بقيادة السيارة قد يساهم أحياناً في حمايتها وزيادة عفتها. القضية السابقة وإن حازت على كلام كثير إلا أنها غيض من فيض قضايا أخرى، تدندن حول نفس المصدر الجنسي. ومن هذه القضايا التي يمكن القياس عليها وأخذها في الاعتبار، قضية الحجاب الشرعي وإن كان يشمل تغطية الوجه أم لا، وقضية الاختلاط في أماكن العمل وغيرها. ومن الملاحظات المشاهدة في هذا الجانب أن التيار الديني المحافظ لا يرغب بتقديم أي تنازلات في هذه الأمور حتى وإن كانت هناك حجج قائمة على أدلة شرعية قوية في هذا الجانب وذلك مرده لخوفهم أن هذه الأمور ستؤدي إلى عواقب أخلاقية وخيمة، أي أن سبب منعهم هو جنسي بحت دون النظر لأي مصلحة أخرى. من جانب آخر، هناك قضايا أخرى للجنس عامل فيها، كقضية نسب الطلاق المرتفعة في المجتمع، وعلى النقيض وبشكل مثير، النسب العالية لغير المتزوجين من الذكور والإناث المؤهلين للزواج. هدفي من طرح هذه القضية من هذا المنظور الحساس للبعض، هو محاولة التفكير بصوت عال وتقليب الأفكار وتبادل الرؤى من أجل الحصول على صورة أوضح لبعض مشكلاتنا التي تطالنا جميعاً بصورة مختلفة. وهكذا، فإن كان وجود الجنس في حياتنا هي قضية محورية لا يمكن الالتفاف عليها ولا قهرها باستخدام عامل الوقت فإن الحل هو مواجهتها لا غير. أؤمن بما قاله (صلى اللله عليه و سلم ) إنه: «ما أدع بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء»، إذ إن الرجل هو المبادر غالباً في النظرة والرغبة وكل شيء لأنه هو المفتون ابتداءً. لكن هل هذا يعني أنه من الأفضل، أن يغيب الطرف الأنثوي عن نواحي المجتمع بشكل كامل إن كان لهذا من سبيل، أم أنه من الأفضل أن نجد حلولاً حقيقية دون تغييب طرف أو تعطيله؟ لو نظرنا للمسلمين المقيمين في الدول الغربية التي تدعو إلى الاختلاط لوجدنا أن معظمهم متمسك بعفته رغم أن المجتمع يعطيهم الحرية الكاملة فيما يخص حرياتهم الشخصية، بينما في مجتمعنا السعودي لا يزال السؤال حائراً دون حسم، وهو هل الأشخاص أنفسهم مسؤولون عن حرياتهم الشخصية بما فيها عفتهم أم أنه يجب أن يضطلع بهذه المسؤولية ثلة قليلة مهمتها التأكد من عفة الناس ومراقبتهم على الدوام في الأماكن العامة. أتصور أن مشكلتنا هي مشكلة تنظيمية بالدرجة الأولى، وأنه بالإمكان حلها أو على الأقل التعايش معها وجعلها ضمن المسؤولية الخاصة للأفراد والمجتمع.