مدخل: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم». منذ فترة طويلة جدا، وموضوع المرأة ووضعها في المجتمع من المواضيع التي تؤرقني. اشتد الخطب حينما ذهبت للخارج ورأيت أن كثيرا من النقاط الموجهة لمجتمعنا «وللأسف ديننا» تدور في معظمها حول: مدى اضطهاد الإسلام للمرأة أو عدم مساواتها بالرجل. بينما أعلم يقينا أن أكثر ما يتم طرحه ليس من الدين في شيء، بل على العكس تماما، يأتي الدين لنفيه أو تقديم بدائل أخرى غيره. نتكلم هنا عن قضايا متنوعة مثل: ظلم المرأة وحريتها وحجابها، حتى قيادتها للسيارة. لا يهمني إرضاء الغرب. ما يهمني فعلا أننا باستماعنا للغرب نكون قد أضفنا إلى النقاش وجهة نظر خارجية تطرح أسئلة يمكن استخدامها كمحركات لنقاش كثير من المواضيع. حيث نصل بعدها إلى أسئلة على نحو:هل المرأة مساوية للرجل؟ وكيف يمكننا أن نضع بعض النصوص الشرعية مثل: «النساء شقائق الرجال» ونصوص أخرى مثل «الرجال قوامون على النساء» وتقسيم الميراث وغيرها جنبا إلى جنب لإكمال الصورة العامة عن نظرة الإسلام للمرأة. ثم ننتقل إلى موضوع آخر لا يقل أهمية، وهي ولاية الرجل على المرأة، وتقييد حرية المرأة وربط مصيرها وهويتها بالرجل؟ وهل حرية المرأة هي كحرية الرجل؟ ولماذا ليست المرأة والرجل سواسية في الحرية؟ وكيف نضع نصوص شرعية جنبا إلى جنب لرؤية الصورة العامة عن المرأة في الإطار الإسلامي. الحديث حول موضوع المساواة يطول.. لكني أحيلكم إلى المناظرة التي تمت في مناظرات الدوحة، حول حرية المرأة، وكم أتمنى أن يستهدي بها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني. تباعا، وفي مواضيع مختلفة «خاصة عبر حسابي في الفيس بوك وتويتر» وقضايا متنوعة كنت أتحدث عن هذا الموضوع، ووجدت من المناسب أن أوضح وجهة نظري بشكل مفصل. بشكل عام، إشكاليتنا في السعودية هي أننا نخلط أحيانا العادات والتقاليد بالدين، بينما لو نظرنا إلى الدين وحاولنا فهمه «لا أقول بمعزل» وإنما دون تأثير العادات والتقاليد، سنجد أن كثيرا من الأمور ستتغير، ابتداء بقيادة المرأة للسيارة ومرورا بقضية عزل النساء عن الرجال وانتهاء بوظائف النساء «كاشيرات». بالنسبة لي، الموضوع «أكبر» من وظيفة كاشير، هناك أمور كبيرة ينبغي معالجتها أو «على الأقل طرحها للنقاش أو النقد» عند الحديث حول هذا الموضوع. • نقطة التناقض في القيم لدى المجتمع: فتجد أن المجتمع يشدد على أن المرأة معززة مكرمة ويجب معاملتها كجوهرة مصون، ورؤيتهم في ذلك ليس بأن تعطى حقها أو الوظيفة التي تناسب تخصصها وإنما في أن تعزل عن الرجال تماما ولا يتم البت في أمورها. مثال ذلك نرضى للمرأة أن تكون مشترية ولا نرضى أن تكون بائعة. على الرغم أن هذا الأمر مستحدث في المجتمع وليس هو الأصل، أعني بالأصل هو العقود السابقة، أيام ما كانت جدتي وأمها يحرثون ويبيعون الحرث في السوق، وحينما كان الجار يستأمن جاره في سفره ويطلب منه النظر في أمور منزله بالإنابة. • النظر للمرأة على أنها الشر الأعظم وهي مصدر الخطر: ووجهة نظر المخالفين هي أن المرأة «هي الفتنة» بنص قرأني مثل «زين للناس حب الشهوات من النساء»، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم، «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء»، ولذا يجب التعامل معها بحذر، بل قد يصل بهم الأمر إلى عزلها تماما عن الرجال. لأجل هذا، يرى كثير منهم أن الاختلاط محرم وأن الرجل والمرأة يجب ألا يعملوا في مكان واحد. نعم النساء فتنة على الرجال – والرجال كذلك –، وكون النساء فتنة لا يعني عزلهن عن الرجال «وإلا فالمال فتنة أيضا وعلاج الفتنة ليس بأن نكف عن السعي وراءه وإنما بإحسان التعامل معه». لماذا لا يسع الناس أن يعاملوا النساء الأجنبيات معاملة قائمة على الاحترام «النابع من الدين والقيم» وكذلك النابع من الحمية العربية والغيرة. المجتمع فيه خير كثير، والشاذ قليل، وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقع المحظور ورجم ماعز. فلماذا نعتقد أننا بعزلنا المرأة سنصل إلى مجتمع رائع ومثالي؟. بسبب هذه التغذية من المجتمع، تحولت نساء كثيرات إلى شخصيات ضعيفة ولا تملك التحكم في الوضع، إما لتهميشها وعدم إعطائها الثقة بتولي زمام الأمور أو لأننا ببساطة لا نعطيها حرية أن تقوم بما يمكنها القيام به. بعض النساء حتى بعد خروجها من السعودية لدولة أخرى تخشى القيادة لأنه زرع في عقلها أنها ضعيفة وغير قادرة على فعل ذلك!. لماذا لا يسعنا أن نتعامل مع الجميع باحترام؟ ومن يخالف هذا الأمر هو الشاذ ومن يجب أن يعاقب. • النساء شقائق الرجال حتى في الوظيفة: المرأة تستحق العمل تماما كما يستحقه الرجل. لا توجد أولويات هنا، فليس ذنب المرأة المجدة أن بعض الشباب غير مؤهلين أو غير جادين. نرى كثيرا من الحيف تجاه المرأة في نوعية الوظائف المعطاة لهم، اسألوا إن شئتم خريجات أقسام تقنية المعلومات. فهن لا يتقاضين نصف ما يتقاضاه الرجال علما بأن المؤهلات والقدرات متساوية. يستفزني توظيف الشرع هنا بأن الرجل هو المطالب بالنفقة ولذا يجب أن يعطى الأولوية في الوظيفة على المرأة.وللرد على هؤلاء نقول أن الوظيفة ليست بالضرورة تكون بدافع الحاجة، صحيح أن المال سبب رئيسي للعمل، لكني لن أترك وظيفتي – لأني مرتاح ماديا – لشخص آخر لأنه يحتاجها أكثر مني. الدافع للوظيفة هو أكبر من مجرد حاجة، الدافع قد يكون إثبات وجود وشغل النفس في النافع وتحقيق فارق في المجتمع لكثير من الناس إلى جانب العائد المادي وغيرها من الأمور. الأمر الأهم، التنافس على الفرص يجب أن يكون قائما دون الحاجة إلى وضع حاجز التفرقة «بالجنس» هنا. • الوصاية على المجتمع والمرأة: والمشكلة أن التيار المتشدد يلوم دائما التيارات الأخرى على الوصاية بالتحدث نيابة عن المرأة، وهو الآن، وفي مثل هذا الموضوع، يزعم أنه يقرر الأفضل لها ويحدد للمجتمع (ذكورا وإناثا» ما يجب فعله وما لا يجب فعله، ووسيلته الأولى التحذير واستخدام الشرع كوسيلة عاطفية لتحريض الناس بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأقول، دعونا نجرب شيئا مختلفا، دعونا نتغير في نظرتنا للأمور، لا أقول أننا يجب أن نطبق كل شيء بين يوم وليلة، ولكن كل ما أرجوه أن لا ننظر لكل المبادرات الجديدة – خاصة بشأن المرأة – من جانب سرد للسلبيات فقط أو طرح حلول إيجابية غريبة جدا تزيدنا تخلفا. لو عدنا للوراء لوجدنا أن التيار المتشدد يستخدم نفس النمط منذ وقت طويل حين كانت النساء يمنعن من التعلم، ومرورا بالحملات التي تم شنها عندما دمج رئاسة تعليم البنات بوزارة المعارف وانتهاء بقضية كاشيرات بنده. دعونا من الإنكار ومن من استنزاف وقتنا وجهودنا في المنع والممانعة، وعوضا عن ذلك لنركز على تطويع هذه المبادرات في إطار أخلاقي عالي والحرص على تفعيل مبادرات اجتماعية فعالة. احتجت جدا أن أكتب كل ما سبق، لأن الموضوع فعلا أزعجني كثيرا.. وخلاصة ما أريد قوله: أتعبنا جدا كبح جماح عجلة التقدم من منطلق باب سد الذرائع والخوف من الوقوع في المحظور. فقد آن الأوان لفتحها وفتحها لا يعني السماح بتجاوز الخطوط الحمراء إن تم تجاوزها مدونة مازن http://www.mazen.com.sa