بيروت – الشرق جندي من جيش الأسد: الثوار شرفاء ولو عاد الزمن بي ما حاربتهم قيادي في الجيش الحر: نقايض النظام على المسجونين عبر وسطاء إشعال مصباح يفسد عملية زرع عبوات ناسفة في طريق آليات النظام العمليات تتم بالتنسيق مع قيادات المعارضة المسلحة في تركيا تكشف «الشرق» في الحلقة الثالثة من «الطريق إلى سوريا.. من هنا مرّ المجاهدون» إقامة مقاتلي الجيش السوري الحر سجناً داخل مدينة القصير جنوب غرب حمص، بعد سيطرتهم عليها بالكامل، وتخصيصه لجنود كتائب بشار الأسد وشبيحة نظامه ممن يقعون في الأسر خلال المواجهات بين الطرفين. وتجري «الشرق» لقاءً مع أحد جنود جيش الأسد الواقعين في الأسر يكشف خلاله أن الثوار يقدمون له العلاج والوجبات اليومية ولا يسيئون التعامل معه «رغم أن النظام قدمهم لنا في صورة المجرمين» حسب قوله، واصفاً إياهم ب «الشرفاء» ومؤكداً أنه لو عاد به الزمن لما وافق على محاربتهم. كما ترصد «الشرق» في هذه الحلقة تفاصيل عملية نفذها المقاتلون في القصير لزرع عبوات ناسفة على بعض الطرق التي تمر عليها آليات جيش نظام الأسد لوقف قصفها للمدينة الثائرة. وكانت «الشرق» نشرت خلال الحلقتين الماضيتين تفاصيل انتقال السلاح والمقاتلين من لبنان إلى سوريا لدعم الجيش الحر. ويرافق مراسل الصحيفة في رحلته داخل سوريا، التي تمت خلال شهر أبريل الجاري، ضابط منشق يُدعى «أبوعلي» واثنين من الثوار هما «أبو حمزة» و«أبو سامر». أكمل جولتي في مدينة القصير الثائرة لأصل ما أصبح يُعرَف عند القصيريين بسجن الثوار، أبحث عن ذلك السجن معتقداً أنه ذلك المطبوع في ذاكرتي من رؤيتي للسجون العادية ذات الأسوار العالية والمسيَّجة، أبحث عن تلك الأسوار فلا أجدها، لكن خطوات مضيفي الضابط المنشق أبوعلي تقودني إلى ذلك البناء القديم المؤلف من طابقين، في الطابق الأول، يأخد الثوار استراحة المحارب، بينما يُسجن «أعوان النظام» في الطابق الثاني، ولذلك سبب بحسب الجنود الأحرار، «نتمنى أن يقصف النظام هذا السجن حتى يقتل هؤلاء الخونة بنيران من باعوا الشعب السوري لأجله»، يقولها أبوخالد (اسم مستعار)، الشاب المسؤول عن السجن، بحزم. هنا السجن، بحسب التعبير القصيري، ليس أكثر من غرفتين تحولتا على يد الثوار إلى مركز اعتقال ل «الخونة وأعوان النظام»، فوضعوا على النوافذ قضبانا حديدية كي لا يتمكن السجناء من الهرب، كما أضافوا إلى أبوابه الخشبية المهترئة أقفالاً مزدوجة، السجن لا يضم خلف أبوابه سوى ثلاثة معتقلين، اثنان منهم «أسرى حرب»، كانا يقاتلان إلى جانب النظام عندما هاجمتهم مجموعات «المجاهدين» في معركة القلعة الشهيرة، المعركة التي كانت خسارتها هائلة من الطرفين وانتهت بسيطرة الثوار عليها، يومها حتى أبوعلي لم يسلم من النيران التي أصيب خلالها في ساقه وعينه اليمنى، أما السجين الثالث، فهو من المدينة اكتشف الثوار أنه من أعوان النظام واعتُقِلَ أثناء الهجوم على القلعة، وهو يزوّد النظام بالمعلومات عن الثوار. المعاملة هنا تختلف عن المعاملة في السجون النظامية، إذ ينفي المجند الأسير (م. لاوند) من مدينة حمص، أن يكون الثوّار أساءوا إليه أو عاملوه معاملة سيئة، ويؤكد أن سجّانيه عالجوا جراحه، لافتاً إلى أنهم يقدمون له ثلاث وجبات غذائية يومياً، كما ذكر أنهم سمحوا له بإرسال رسالة إلى أهله يقول فيها إنه انضم إلى الثورة كي لا يسقط في نظرهم. ويؤكد (لاوند) أنه «نادم لأنه كان يقاتل هؤلاء الشرفاء»، لكن الدعاية التي غذاهم بها النظام كانت تدعي أنهم يقاتلون مجرمين ومجموعات إرهابية»، ويكشف لنا أنه يتمنى أن تعود عقارب الساعة حتى ينشق عن النظام وينضم إلى الثوار. في طريق الخروج من السجن، أسأل الضابط أبوعلي عن مصير هؤلاء السجناء، فيرد مباشرة «هؤلاء كنز بالنسبة لنا ونحن بعثنا برسالة إلى النظام -عبر وسطاء- لمقايضتهم على سجناء من أتباعنا، لكن لم ولن يصل الجواب لأن النظام لا يكترث بهم»، ويصر الضابط أبوعلي أن أذكر ما سمعته في السجن في تقريري «لأننا نريد أن نثبت للعالم أننا دعاة حرية وعدالة وديمقراطية على عكس ما يحاول النظام إشاعته من أننا مجموعات إرهابية». عملية نوعية يطوي اليوم الثاني ساعاته، وأنا أطوي معه ثاني دفتر ملاحظات لكثرة المقابلات والملاحظات التي أخذتها في فترة إقامتي القصيرة، لكن الليل مازال في أوله، و«المجاهدون» على وشك تنفيذ عملية لزرع عبوات ناسفة على بعض الطرق التي تمر عليها آليات الجيش النظامي، يليها مهاجمة ثكنة عسكرية للنظام تحتوي على الكثير من العتاد والذخيرة التي رصدها الثوار، أتعرف إلى خبير متفجرات، وهو ضابط مهندس يدعى حسام (اسم مستعار)، من إحدى القرى الحدودية، انشق عن النظام مع بداية الثورة وفكك من منطقته معظم الألغام التي زرعها الجيش على الحدود اللبنانية السورية، يبتسم وهو يحضر عبوته ويعلق ساخراً «طباخ السم يجب أن يتذوقه»، بعد الانتهاء من تحضير العبوات تتحرك المجموعات المقاتلة إلى الهدف، حرصهم الأول هو الانضباط، فمهمة اليوم توثقها عدسة الكاميرا، وأي خطأ في الكلام أو التعليق قد ينعكس سلباً على صورة الجيش الحر والثورة في آن واحد. أرى الضابط أبوعلي منكبا على مراجعة الخطة مع مجموعته، تلك الخطة التي استعان بقلمي ودفتر ملاحظاتي لرسمها بعدما لم يجد ما يكتب عليه، العملية تسير على أكمل ما يرام، الألغام الأربعة تم زرعها، وأبوعلي يجري اتصالاً يقول إنه مع قيادة الجيش الحر في تركيا يبلغهم فيها عن سير العملية، لكن قلة الخبرة العسكرية والحظ العاثر جعلا أحد المقاتلين يشعل -عن غير قصد- مصابيح دراجته في منطقة غير مأهولة، الأمر الذي تنبه له جنود النظام وبدأوا بإطلاق رشقات عشوائية على مصدر الضوء، ما أفشل عملية الهجوم على الثكنة ودفع بالمقاتلين إلى الانسحاب على الفور قبل تطور المعركة إلى مواجهة مفتوحة قد لاتحمد عقباها، إذ قد يتكبد فيها الجيش الحر خسائر قد تنتهي بمقتل الجميع. في طريق العودة إلى المنزل، يتبادل عناصر الجيش الحر الاتهامات فيما بينهم عن المسبب لفشل العملية حتى وصل الأمر ببعضهم إلى اتهام المخطئ أنه قام بفعلته عمداً للفت الانتباه وإفشال العملية، يحتدم النقاش وقبل أن يخرج عن السيطرة، يتدخل الضابط أبوعلي لإنهاء الجدال، الوجوه المتجهمة على ضياع الفرصة تبقى على حالها، وفور وصولهم إلى المنزل يخلد البعض إلى النوم، علّهم يحلمون بفرصة جديدة في السيطرة على ثكنة أخرى، وفي هذه الأثناء، أنهمك أنا في ترتيب أغراضي استعداداً للرحيل عن المدينة التي تقدم الغالي والنفيس ثمناً للحرية. الرحيل عن القصير في تلك الليلة، يتحلق الجميع حولي، هذا يستحلفني أن أنقل الصورة كما رأيتها، وذاك يطلب مني عدم إظهار وجهه، وثالث يطبع قبلة على خدي وكتفي، لكن أكثر ما يؤثر في، عناق ذلك الشاب أبو حمزة الذي يضمّني بحرارة ويقول «قد تكون المرة الأخيرة التي أراك فيها، والله إني أشم رائحة الشهادة»، لم أرحل عن المدينة بعد، لكني أقطع عهداً على نفسي بأن أنقل عنها وعن أهلها ما عرفت من روايات، سأكتب ما قد يتحوّل مع مرور الزمن إلى أرشيف في ذاكرة الشعب السوري الذي تمرد يوماً وثار طلباً للحرية. الطريق إلى سوريا.. من هنا مرّ «المجاهدون»: 1. الشرق ترصد رحلة نقل السلاح والمقاتلين إلى سوريا.. وتدخل معاقل الجيش الحر 2. مقاتلو الجيش الحر يفرضون سيطرتهم على مدينة القصير جنوب حمص بالكامل 3. الجيش الحر يقيم سجناً في مدينة القصير لجنود كتائب الأسد.. وأحدهم ل الشرق: الثوار عالجوني والنظام خدعني قيادي في الجيش الحر
مقاتلون أثناء التقاط صورة لهم (الشرق)
عددٌ من ثوار مدينة القصير المسلحين
أحد المسجونين داخل سجن أنشأه الجيش الحر في القصير
عناصر من كتائب الأسد موجودة في سجن أنشأه الجيش الحر بالقصير