تعتبر معركة (أمسل فيلد) من معارك التاريخ الحاسمة فهي من قررت مصير البلقان لفترة خمسة قرون. وتسمى في الأدبيات التركية معركة (قوص أوه) ولعله لا توجد معركة أنهت حياة مليكين مثل هذه المعركة؛ فقد خر ملك الصرب (لازار) صريعا في أرض المعركة، أما الملك العثماني مراد خان فقد خسر حياته بتهاون منه حين ترجل بعد النصر يتأمل جثث القتلى بعد انتصاره في تلك المعركة الطاحنة ولم يتفطن إلى جريح صربي انتهز الفرصة وطعنه طعنة قاتلة بخنجر هائل فخر بجنب ملك الصرب لازار. ودفن في تلك الليلة بجنب جبل من الجثث جثتا مليكين. في هذه المعركة الضروس التي جرت في كوسوفا الحالية عام 1389 م قررت من جهة مصير البلقان لخمسة قرون في قبضة العثمانيين، ومنه وفي ظل الحكم العثماني اعتنقت طائفة من الصرب الإسلام ودخلت فيه وأصبحنا نعرفها باسم البوسنيين ومازالوا على دين الملة المحمدية، ولكن هذا كلفها حروبا دينية طوال فترة القرن العشرين، وقد ينجون مع دخول الاتحاد الأوربي ويتسرب دين الإسلام إلى باقي الاتحاد الأوربي.في هذه المعركة التي دارت رحاها مع نهاية القرن الرابع عشر للميلاد كان الأتراك العثمانيون يزحفون باسم الإسلام محاصرين أوروبا بالتدريج. ونظرا لمناعة القسطنطينية وكبر (لقمتها) فقد تركوها لمصيرها بعد قطع روافد المد والنصر من أوروبا الشرقية السلافية. ومن الغريب أنه وأثناء هذا الزحف المظفر للعثمانيين وقعت واقعة كادت أن تكسر ظهورهم وتمحو أثرهم وهي معركة أنقرة عام 1402م تلك التي زحف فيها تيمورلنك من الشرق محمولا بقوى عارمة من الخيل. وفي معركة أنقرة هذه هزم تيمورلنك بايزيد الثاني ووقع في الأسر هو وزوجته وكان يعد العدة لاجتياح أوربا.وعند هذه النقطة بالذات يقف (مالك بن نبي) في كتابه وجهة العالم الإسلامي ينقل عن مؤرخين شتى يتحدثون عن ظاهرة تسمى (العمى التاريخي) عن عبثية ارتطام قوتين إسلاميتين لتنجو أوربا وهي الجنين الضعيف! بعدها وقف الأتراك بأقوى وأشمخ ورمموا دولتهم والتهموا القسطنطينية عام 1453م وتابعوا زحفهم إلى فيينا ثلاث مرات في ثلاث حملات كانت أعظمها عام 1683م ولكنهم هزموا عند أسوار فيينا بعد اجتماع أوربا ضدهم ومجيء الخيالة البولونية بقيادة يوحنا سوبيسكي الثاني بجيش من ستين ألف مقاتل فلم يكتب النصر للعثمانيين ونجت فيينا وولدت أوربا الحديثة. معركة «قوص أوه» أو «أمسل فيلد» تركت ندبة في الضمير الصربي لا تنسى جعلت سلوبودان وبعد مرور ستمائة عام يزعق: سوف ننتقم لذلك اليوم، قبل أن يهزم بدوره على يد الأمريكيين ويموت بالشهقة والخنقة في سجن محكمة العدل الدولية.