يعرض في السينما التركية هذه الأيام الجانب المشرق من تاريخ الدولة العلية، ولا أحد يدرك أن روكسالينا الروسية كانت خلف انهيار الدولة العثمانية، كله من نزوة وعشق السلطان سليمان القانوني لهذه الأفعى الرقطاء؛ فأدخلت الشر إلى بيت الخلافة، كما تفعل الميدوسا الغرغونية في دمشق هذه الأيام، عفواً أرملة جبار سورية السابق حافظ الأسد، التي تقاتل عن عرش زوجها الآفل، فهي تقود حمامات الدم في كل زوايا سورية الحزينة. تبدأ القصة من (معركة أنقرة) عام 1402م حين هُزم العثماني بيازيد الثاني أمام تيمورلنك الزاحف من الشرق، ووقع هو وزوجته في الأسر ومات قهراً بعد عام في حبس في قفص حديدي. وكادت الدولة العثمانية أن يقصم ظهرها ويمحى رسمها بعد هذه المعركة الحاسمة من العصر الوسيط، حتى قام محمود جلبي (أحد أولاد بيازيد الخمسة) بترميم الدولة والصعود بها من جديد. ومن هذه المعركة قام المفكر الجزائري (مالك بن نبي) بتحليل عجيب يقول فيها في كتابه (وجهة العالم الإسلامي) إن هذه المعركة أوقفت الزحف العثماني في فتح أوروبا، وأخّرته ردحاً من الزمن، ولدت فيها عبقريات أضاءت أوروبا ونقلتها إلى عصور الحداثة والتنوير. بعد معركة أنقرة لم يعد سلاطين بني عثمان يتخذون الزوجات بل المحظيات. وهنا تدور الإشاعات كثيراً عن (الحرملك) نساء السلطان، حيث كان ينشأ السلاطين من تربية زوجات محظيات؛ فإذا ولدت انعتقت وأصبحت حرة اسمها أم ولد، حتى كان الوقت الذي أبت فيه تلك الشيطانة الساحرة التي ملكت قلب سليمان القانوني إلا أن يعلنها زوجة شرعية ومن نسلها جاء معظم الخلفاء اللاحقين. قامت هذه الساحرة الماكرة بلباس شفاف ورقص مثير وحركات إغراء باستلاب قلب السلطان فدخلت عليه من باب الغريزة، فإذا أضفنا صفات أخرى من الخفة والمكر والذكاء والثقافة والموسيقى والتآمر فقد نجحت في قهر خصومها من القرهامانات والوصيفات والفتيات الجميلات من أوروبا، وكنّ بالمئات والآلاف في الحرملك، حيث كان السلطان على ما يروى يمرّ في الحريم إذا لم يكن ثمة ما يشغله ويعكر مزاجه؛ فتقف الفتيات في صف بلباس وعطر وهيئة، فيلقي منديله على واحدة فتكون نصيبه تلك الليلة فينام معها، فإذا حملت كانت أم ولد محررة كما ذكرنا. إلا هذه الماكرة فلم تكن لليلة فقط، بل أصبحت زوجة وأم سلاطين وسكاكين.