لسنا مجتمعا من الملائكة، هكذا يبدو التبرير الأول عند كل جريمة يعلن عنها يوميا، التي لا تخلو منها صحفنا كل صباح، مختلف الجرائم تطالعنا بعناوينها المخيفة، من بسيطها حتى أقساها، من التزوير وسرقة الدجاج حتى تهريب المخدرات والقتل ونهب أموال الشعب. وتتبارى الصحف في نشر التفاصيل واسم مقترفيها وجنسياتهم ويمكن أن تتسابق الصحف للحصول على صورته الشخصية، للمزيد من توثيق المعلومات، فالصحافة كما قيل هي السلطة الرابعة! ولكن هذه المهنية الصحفية الاحترافية، لا تتجلى إلا عندما يكون الفاعل بسيط الحال وفقيره، أو بلا جاه ولا ظهر يحميه، أو من جنسية غير سعودية، وغالبا كل هذه الأسباب معا. دائما ما أسائل نفسي ألا يرتكب الأغنياء والمشاهير والسعوديون أخطاء وجرائم؟! فلماذا لا تنشر الصحف إلا أسماء المستضعفين عند الجرم، وتتوارى أسماء من سواهم خلف طبقة من الكتمان؟ في نمط الأفلام السينمائية التي تحكي قصص عصابات المخدرات، دائما ما ينتهي الزعيم الشرير مقتولا أو معتقلا، وفي سياق القصة لا يكتفي القانون ببائع المخدرات الصغير بل يستخدمه للنيل من الشبكة والقبض على زعيمها، في حين نقرأ في واقعنا -الأشد سريالية من أفلام هوليوود- أن من يقبض عليه هو المهرب (من جنسية آسيوية غالبا)، وبالتأكيد لن يكون هذا المهرب البسيط إلاّ أداة في يد قادرة ومسيطرة على تجارة التهريب، ولكننا لم نسمع يوما أن تم القبض على العصابة وزعيمها. عندما يسرق فقير دجاجة، نرى صورته واسمه يملآن الصحف بجريمته، والحكم عليه ناجز وسريع، أما ناهبو الملايين، فيتم تلميعهم وغسل سمعتهم، وإن اضطرت الصحف للإشارة إلى فاسد، بعد أن يطفح الكيل، تشير له من بعيد وتخفي اسمه وشكله، وتكاد تموه معلوماته حتى لا يستدل عليه أحد. نسمع ونرى سرقة المال العام، والتلاعب بخيرات البلاد ومستقبل أبنائه، ومن شدة تفشي الفساد هيأنا له هيئة تطارده، ولكن لم نسمع حتى الآن عن فاسد صُفد، أو مال عام أعيد، أو سرقة أجهضت، لم نر سوى سرعة القبض على عمال (من جنسية آسيوية) في سرقة أسلاك كهرباء!في كثير من دول العالم، يستقيل الوزراء حين تقع أخطاء غير مقصودة في وزاراتهم، رؤساء ينسحبون من الحياة العامة حين تكتشف بعض ممارساتهم غير الأخلاقية، في حين نجد لدينا أحوال بعض المسؤولين أو الشخصيات العامة أشد بلاء، وإذا بالوزير المخطئ «يعفى بناء على طلبه» وتنتظره وظائف استشارية أثقل وزنا، أما الشخصية العامة التي بانت سرقتها واعترفت بذلك عيانا، فإنها تحصل على برنامجا تلفزيونيا لنشر الأخلاق والفضيلة.على الصحف أن تعدل في نشر أخبارها، فعندما يتهم عامل (من جنسية آسيوية) بجريمة ما، لا يحق لها أن تشهر باسمه وجنسيته وصورته، إلا إذا كانت تمارس نفس المعايير المهنية مع متهمي «سيول جدة» مثلا، فهؤلاء يحملون تهمة أشد ضررا على البلاد من سارق كابلات كهرباء. وبالطبع تسبق مسؤولية الصحف عن أسلوب نشر أخبار الجرائم، الجهات القانونية التي مازلنا نتمنى أن تنهج العدل فيما تحكم عليه، ولا تفرق في حكمها بين غني وفقير، وبين سعودي و(جنسية آسيوية)، وبين ضعيف وشريف، فقد هلك أقوام لغياب العدل.