مبتدأ مشكلة الجامعات السعودية ومنتهاها في موضوع النقد الموجَّه إليها في تقرير الساينس، وفي التعقيبات عليه، وتداعيات الخبر عن ذلك في الصحف السعودية، هي مشكلة أخلاقية. وهذا هو وجه الخطورة فيها بما يفوق سوء التخطيط والإدارة. خصوصاً إذا ما أخذنا في الحسبان المكانة المعنوية للجامعات من حيث هي ذروة التدرج التعليمي والتربوي التي يستودع المجتمع فيها مستقبله الواعد ويستضيء منها بإشعاع المعرفة والقيم النبيلة. وأول التشوُّهات الأخلاقية التي استثارت النقد هو شراء السمعة، وهذه دلالة تزييف يأنف منها كل من يستشعر في ذاته الصدق والأصالة والثقة، وهي المؤهلات الحقيقية لاكتساب السمعة والتقدم. وكانت هذه التهمة محور المساءلة التي أدارها تقرير الساينس، إذ بدا المتعاقدون محاصرين بسؤالها أخلاقياً، وأحياناً كان الرفض للتعاقد بأنَفَة ومسؤولية كما فعل عالم الفلك الهولندي جورج ميلي الذي أترجم من تعقيبه المنشور في الساينس أنه اتضح له أن السبب الأساسي للعرض لم يكن رغبة في تقوية حقله في البحث في جامعة الملك عبدالعزيز وإنما فقط أنه مضمَّن في قائمة ISI. ويقول: “كان واضحاً لي أن برنامج جامعة الملك عبدالعزيز مصمَّم لرفع تصنيف الجامعة بطريقة زائفة، وذلك بالدفع للباحثين المستشهَد بهم بكثرة لبيع انتمائهم”. ويضيف: “بعد ثلاثة أشهر أحصيتُ في موقع ISI تسعة فلكيين بارزين منتمين إلى جامعة الملك عبدالعزيز. وهذا يفوق عدد مثلهم في جامعة كامبريدج 50% ويجاوز ذلك في أي جامعة أوروبية”. ولم تستطع الردود -للأسف- أن تنفي ذلك لأن برنامج التعاقد قائم على شرط الانتماء الثاني وقائمة ISI، فضلاً عن ضآلة مدة الزيارة. وهذا يقودنا إلى تشوُّه أخلاقي ثان هو الشكلانية السطحية وقد أشار إليها ميلي حين عَنْوَن رده هكذا: “التصنيفات المبالغ في قيمتها”. وأشار إلى أن قائمة ISI لا تضم عدداً من الفلكيين الحائزين على جائزة نوبل، كما أشار – بما لا يتسع المقام لتفصيله – إلى الضرر الذي تحدثه التصنيفات على الأكاديمي فليس كل شيء قابلاً للقياس. ومن الطبيعي أن تصلنا الشكلانية والتزييف، بتشوُّه أخلاقي فاجع في التزوير الصحفي الذي قلب إفساح الساينس للردود إلى مديح للجامعة وتأكيد لسلامة موقفها. وقد ضاعف هذا السوء الإساغة -علناً- للتزوير، في دفاع الزميل الدكتور علي القرني، المسؤول عن رسالة جامعة الملك سعود (الجزيرة 31/3/2012) فقد رأى أن نشْر الساينس للردود وعدم تدخلها فيها “يوحي بسياق اعتذاري من المجلة”! وكلامه هذا يعني ادعاء الحق للصحفي في تحويل الإيحاء إلى تصريح والسياق إلى نص، من دون إشعار القارئ ومع حضور التصريح والنص لا غيابهما. والزميل القرني يورد -في الدفاع نفسه- كلام المحرر نورمان: “أما في الحالة التي بين أيدينا فلم تناقض رسالة جامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك سعود الحقائق التي تحدَّث عنها مقالنا” ومع ذلك يَفْهَم منه -كما هي رغبته لا منطوق النص- مديحاً وتأييداً، ودعك من مضمون الردود التمجيدية للإنجازات المشكورة لأنه لا يتصل بالتهمة وحيثياتها.