التكتُّم الذي تصطنعه معظم جامعاتنا تجاه ما يوجَّه إليها من نقد في صحافتنا، وما تثيره بعض القضايا من استفسار أو رغبة في المكاشفة أو الحوار، أصبح واضحاً للعيان. وذلك على الرغم من أنها مؤسسات حكومية وليست خاصة، وهذا يعني أن أي قضية تمسُّها هي من قضايا الصالح الوطني، والإجابة عنها والإقناع بشأنها حق عام لا يمكن السكوت عنه أو التملص منه. وليست حادثة جامعة الملك خالد عنا ببعيد، فقد كانت الأسئلة في الصحافة وفي شبكات التواصل، قبل الأحداث، متناثرة، وتثير حقائق أو تخرُّصات مقلقة. وكانت الحاجة ماسة إلى بروز معالي مدير الجامعة إلى العلن عبر مقابلة صحفية مستفيضة وشفافة، إضافة إلى نشر ردود الجامعة وتفاعلها مع ما يكتب عنها. ومع ذلك فقد بدا الأمر وكأنّه لا يعني الجامعة! والأمر نفسه هو ما يعيدنا إلى تقرير الساينس الاتهامي لأبرز الجامعات السعودية؛ فلم يتكشَّف موقف قيادات الجامعات عبر الصحافة، وبقيت الجامعات مستسلمة لسيل من المواد الصحفية، تحلِّل وتستنتج وتسأل وتتَّهم دونما إجابة شافية. ولهذا سُرِرْتُ أن أجد بعد تجدد الحديث منذ قريب عن تقرير الساينس، وكيل جامعة الملك عبدالعزيز، الأستاذ الدكتور عدنان زاهد، في الشرق يوم الخميس الماضي 22/3/2012، يردُّ نافياً القول بأن الجامعة تهدف من خلال تعاقدها الذي كان موضع الاتهام إلى رفع تصنيفها العالمي على مستوى الجامعات، ويؤكد أنه «استثمار سليم ومعافى» وأنه «لا يختلف عن البرامج الموجودة في كثير من جامعات النخبة حول العالم». ولم يدع هذا الرد سروري يكتمل بالدكتور، لأنه رد مرسَل لا برهان فيه؛ فإذا لم يكن الهدف هو رفع تصنيف الجامعات فلماذا تشرُط العقود على العالِم أن يضع الانتماء The Second Affiliation للجامعة السعودية في اسمه على قائمة ISI ؟ وهل من المنصف للجامعة -دونما قصد إلى رفع تصنيفها- أن تدفع تلك المبالغ الطائلة لزيارة من 3-4 أسابيع؟ وإذا سلَّمنا جدلاً بأن القصد هو إيجاد بيئة تعليمية وإنتاج مفكرين وباحثين من طراز عالٍ فهل الطريقة المناسبة لذلك هي صيغة تلك العقود؟ كلا يا عزيزي، ليس هذا استثماراً سليماً ومعافى. إنه غش وتدليس والفائدة منه محصورة في فرقعة إعلامية تباهي بأن تصنيف الجامعات ارتفع، وهو فعلاً ارتفع، لكن لأي غرض ارتفع؟ ومن المستفيد من ارتفاعه هذا؟! أي تصنيف هذا الذي تقفز فيه جامعاتنا في ظرف أربع سنوات إلى ما بلغه غيرها بجهد وبناء وتطور اجتماعي في سنوات عديدة؟! وأي سخرية راجت في العالَم عن مال يتوهَّم عبثاً القدرة على شراء كل شيء حتى السمعة العلمية؟! أما عدم اختلاف البرنامج عما هو موجود في جامعات النُّخبة حول العالم، فهو صحيح إذا كان المقصود التعاقد كلياً أو جزئياً مع العلماء المتميزين، لكن الاختلاف هو في شروط العقد السعودي وفي غرضه الضمني، الذي يبدو مَنْ أعدَّه وكأنه يدفع المال من جيب غيره دونما مساءلة!