لم تمرّ عملية إيداع الترشيحات التي انتهت أمس الأول برداً وسلاماً على عديد الأحزاب الجزائرية، ولعل المفاجأة الكبيرة التي ستبقى راسخة في ذاكرة هذه الانتخابات الصراعات التي ميزت حزب جبهة التحرير الوطني، صاحب الأغلبية البرلمانية، الذي يقوده وزير الدولة عبدالعزيز بلخادم، حيث تميزت بمشادات وملاسنات بين السيد عبدالعزيز زياري رئيس البرلمان الحالي، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي رشيد حراوبية حول رأس قائمة الجزائر العاصمة، فإلى غاية الأحد وساعات قبل الحسم استبسل زياري في الدفاع عن مقعده بالعاصمة، ولكنه استسلم للأمر الواقع فأرسل الرجل الثالث في هرم الدولة بياناً إلى الصحف أكد فيه عدم ترشحه، جاء فيه «أن عدم ترشحي يسجل مباشرة في اتجاه الإصلاحات التي بادر بها رئيس الجمهورية وصادق عليها المجلس الشعبي الوطني (البرلمان)، وعزم الرئيس على منح الفرصة للشباب»، وأن قراره هذا نابع من مساعدته الشخصية لحزبه في استعادة الطاقة الشبانية كي يبقى حزب جبهة التحرير الوطني رائداً للتيار الوطني التقدمي، كما أسقطت قوائم الترشيحات أسماء قديمة تعودت على الترشح لعهدات كثيرة، كما هو الشأن بالنسبة للنائب عبدالحميد سي عفيف رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الحالي، وهو من الشخصيات البارزة التي وقفت إلى جانب بلخادم في مواجهة الحركة الانشقاقية في الحزب العتيد، ولم يقتصر الأمر على نواب، بل اتجهت قيادة جبهة التحرير إلى إسقاط عدد من الوزراء والنواب السابقين من لوائح الترشيحات. وسألت «الشرق» مصادر من جبهة التحرير الوطني عن خلفية هذه العملية، فكشفت أن في الأمر رغبة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي يعدّ رئيس شرف لجبهة التحرير الوطني وأحد أبرز قادتها، إلى عملية التطهير للقوائم من «الأسماء المحروقة» شعبياً على حد قوله، ومن أجل حمل الجزائريين للمشاركة في الانتخابات، ورغبة من بلخادم في تجديد دم الحزب العتيد بعد رياح التغيير التي هبت على المنطقة العربية، ولم تستبعد مصادر أخرى احتمال نية بلخادم التموقع على المسرح السياسي الوطني استعداداً للرئاسيات المقبلة، وإن أعلن في وقت سابق دعم حزبه ترشيح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة. ولعل المستفيد الأبرز من هذا الزلزال هو قوائم تيار حركة التقويم والتأصيل المنشقة عن جبهة التحرير الوطني، التي دخلت في عدد من الولاياتالجزائرية بقوائم حرة بعد فشل مساعي الوحدة بين الجانبين، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر على الوعاء الانتخابي لجبهة التحرير الوطني. هاجس العاصمة لا تنتخب جميع الأحزاب السياسية أمام رهان تاريخي لرفع نسبة مشاركة الجزائر العاصمة، المعروفة منذ زمن بنسب مقاطعة قياسية، ويصف البعض أن الأسماء الثقيلة التي رشحتها الأحزاب سواء في العاصمة بالدرجة الأولى أو في محافظات داخلية رهان على تحريك المياه الراكدة في الشارع السياسي، الذي بات غير مبالٍ بما يحصل داخل هذه الأحزاب. ودفعت الأحزاب في اللحظات الأخيرة ببعض الأسماء الثقيلة وأزاحت اللثام عنها بعدما تم وضعها في خانة «سري جداً»، فتبين أن الشيخ عبدالله جاب الله زعيم جبهة العدالة والتنمية لن يرشح نفسه لهذه الانتخابات، ولكنه بالمقابل رشح زوجته في المرتبة الثانية بعد عمار خبابة محامي الجبهة الإسلامية للإنقاذ، كما رشح تكتل الإسلاميين التلفزيونية المعروفة نعيمة ماجر شقيقة اللاعب الدولي والمعلق الرياضي المعروف رابح ماجر، وهي أول مذيعة جزائرية ترتدي الحجاب، تم إبعادها من الظهور في التلفزيون الجزائري نهاية ثمانينيات القرن الماضي إثر ذلك وحولت نحو مصلحة أخرى، كما صنع المفاجأة حزب جبهة التحرير الوطني في قائمته بالعاصمة، فرشح الزوجة السابقة للشيخ يوسف القرضاوي في المرتبة الرابعة السيدة أسماء بنت قادة، لعله يحظى بمقاعد المرأة، حيث تقدر بنسبة 30%. نعيمة ماجر