عماد علي بو خمسين أنا وأنت نعبد عباءة فضيلة الشيخ أو عمامة سماحة السيّد، نعم، هو كما قرأتْ، هل ستغضب الآن وتنكر ذلك؟ من الطبيعي أن تغضب وتستنكر، فنحن نعبد العباءة أو العمامة دون أن نشعر، وإذا نبّهنا أحد أو اتهمنا بهذه التهمة، فإننا سننكرها بقوّة ونتّهم المتحدّث بالجنون! عندما نقول فلان يعبد عباءة هذا الشيخ أو عمامة ذاك، فإن أول ما يتبادر للذهن، أنه يضعها أمامه ويضع حولها بعض الشموع والبخور ثم يبدأ بالسجود لها! هذا مشهد ظريف بلا شك، ولكن ليس هذا ما نرمي إليه، فنحن نتحدث عن الدلالة المعنوية للعبادة وليست الدلالة الحسّية. حالة العبادة هذه ليست جديدة، بل موجودة كذلك في الأمم السابقة، والديانات الأخرى، كما يصرّح بذلك القرآن الكريم يقول الله تعالى: «اتّخَذُوا أحْبَارَهُم وَ رُهْبَانَهُم أرْبَابَاً مِنْ دُونِ الله» (التوبة: 31). وقد أورد الله ذلك في كتابه، كدرسٍ لنا حتى لا نقع في الخطأ ذاته، ألسْنا سنركب سُنن من كان قبلنا؟يقول القرطبي في تفسير الآية الكريمة: «جعلوا أحبارهم ورهبانهم كالأرباب حيث أطاعوهم في كل شيء» (القرطبي، الجامع في تفسير القرآن). ويقول جعفر الصادق في تفسيرها: «واللّه ما صاموا لهم، ولا صلّوا لهم، ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً فاتّبعوهم» (الكليني، أصول الكافي، ج 1، ص 53). إذن هي عبادة ليست كتلك التي تتمثل في أداء الطقوس لأشخاص، وإنما تتمثل في تقديسهم وطاعتهم في الباطل.ولكنّ ذلك كان في ما مضى من الأُمَم، فكيف أعرف الآن أنني من عبيد عباءة الشيخ أو عمامته؟ فلنجرّب طريقة بسيطة لمعرفة ذلك: فكّرْ في الشيخ الذي تحب الاستماع لخطبه وتتحمّس لمعتقداته وآرائه، وانظر، هل تنطبق عليك بعض أو كل النقاط التالية: هل قال فضيلة الشيخ شيئاً غريباً ذات مرّة، وفي قرارة نفسك وجدته مخالفاً للعقل والفطرة وشككت فيه، ولكنك لم تُخبر أحداً ولم تعترض، لمجرّد أن هذا الكلام صادر عن «فضيلة الشيخ»؟هل سمعت فضيلته يبدأ بالتحريض على كراهية الآخرين المخالفين له ولك، ويسب رموزهم الدينية، ولكنك لم تعترض على ذلك، مع أنك في قلبك شعرت بوجود شيء خاطئ؟ هل وجدته مرّةً يدعو بالهلاك على من لا يروقون له وبتجميد الدم في عروقهم، وأنت تشاركه الدعاء، أو تردد مع جموع الحاضرين: آمين.؟ هل غضبت عندما سمعتَ أحداً يعترض على سماحته، واعتبرتَ هذا المُعترِض أو المشكّك عدوّاً للدين والمذهب، بل عدواً شخصياً لك؟ هل تعتبر فضيلة الشيخ رمزاً دينياً ومقدّساً؟ أثناء كتابة هذا المقال، عرضته على أحد الأصدقاء ممن يدرسون العلوم الشرعية، وأعلم من خلال معرفتي الشخصية به، أنه من صنف هؤلاء العبيد، وبعد قراءته قال: «فعلاً هذه هي المشكلة، كثير من الناس هم من هذا النوع» تمنيت لو أمسكت بتلابيبه وأقول له استيقظ، كيف ترى العيب في الناس ولا تراه في نفسك! كأنك لست من الناس؟! فهل أنا وأنت من هذا النوع؟ نحن أمّة اقرأ التي لا تقرأ! ولذلك فإننا نحتاج لمن يخبرنا بما يجب أن نعتقد به ونفعله، فعليه أن يفكّر نيابةً عنا وعلينا أن نصدقه بسرعة! ومَنْ أَوْلى من فضيلة الشيخ أو سماحة السيّد بأن يتقمّص هذا الدور، فهو يلبس عباءة السلف الصالح، أو عمامة أولياء الله، مع أن الرجل هو بشر يعبّر عن فهمه الخاص للدين، واحتمال الخطأ وارد في ما يقول. في تاريخنا المعاصر والقديم، الكثير من المشايخ الأجلّاء الذين قادوا مجتمعاتهم إلى بر الأمان في الأزمات، وأثْرَوا الساحة الفكرية والأدبية بمواقفهم ومؤلفاتهم، إلا أننا اليوم نرى صنوفاً غريبة، ممن يرتدون رداء الدين، ويتسلقون المنابر، تعلو أصواتهم في الفضائيات والأنترنت على كل صوت، ويتابعهم الناس بعاطفةٍ وتسليمٍ لهم.وهؤلاء، حفظهم الله ورعاهم، و أمدّ في عباءاتهم ولِحاهُم، يقدّمون لنا الإجابات الجاهزة دائماً، ويوفّرون علينا عناء البحث والتفكير. ومع الإجابات الجاهزة، لا بد أن تكون هناك جرعة طائفية، وقليل من الفكر الأحادي، مع شيء من بهارات الجهل والخرافة! لماذا تقديس بعض الأشخاص؟ ولماذا التصديق المطلق لما يقولونه؟ مع أن العباءة والعمامة مصنوعتان من قماش مستورد من الصين أو غيرها؟! وليست مُنزّلة من السماء، وصاحبها بشر قد يصيب، وقد يخطئ!.