اشتهرت مدينة الآستانة (إسطنبول) بأنها مدينة المساجد لضخامة وفخامة المساجد التي بنيت أيام الدولة العثمانية وأصبحت شاهداً على تلك الحقبة من التاريخ الإسلامي، وما إن تطل على المدينة من أي جهة كنت فسترى المآذن والقباب التي ترتفع من مساجد أيا صوفيا وأحمد الثالث والسليمانية وغيرها، تنبئك باهتمام الخلفاء العثمانيين ببناء المساجد وزخرفتها وإبراز الإبداع الهندسي فيها بما يليق ببيوت الله من اهتمام وعناية، كما ظهر الاهتمام في بلادنا بالمساجد في العقود الأخيرة سواء على المستوى الحكومي أو الشعبي، وأنفق المواطنون والدولة الكثير في سبيل أن تحظى مساجد الله باهتمام وإنفاق أكثر مما ننفقه على بيوتنا، وكانت الأعمال هذه ابتغاء الأجر والمثوبة، على الرغم مما يقال عن شبهة الرياء بوضع اسم المنفق أو المتبرع بشكل واضح ولافتات رخامية ضخمة على المسجد، طالما كان العمل خالصاً لوجه الله، ولا يحتاج المنفق مع الله جل وعلا أن يذكره بعمله بوضع مثل هذه اللافتة الكبيرة، مع أنه يمكن إبعاد شبهة الرياء بأن هذه الأسماء وضعت كعلامات للتمييز بين المساجد ولسهولة الاستدلال إليها. غير أن هذا الأمر لا ينطبق على المساجد التاريخية، خاصة في مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، حيث نراها أقل المساجد تواضعاً من حيث الاهتمام بها وببنائها، خاصة تلك التي ارتبطت بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتاريخ صحابته، مثل مسجد الجن بحي المعلاة في مكة، ومسجد الفتح الذي يقع على ربوة بطرف جبل سلع بالمدينة في موضع مخيم الرسول في غزوة الأحزاب وهو موقع مصلاه ودعائه، وبني المسجد في عهد عمر بن عبدالعزيز والي المدينة آنذاك، وجدد فقط قبل خمسين عاماً، وكذلك ما بقي من المساجد السبعة في المدينة، فلماذا نهتم بمساجد الأفراد بهذا القدر ونكف اليد عن المساجد التاريخية المرتبطة بتاريخنا الإسلامي بدءاً من عصر النبوة؟ والقول بالخوف من شبهة الشرك لا محل له، فقد انتهى زمن التوسل بالقبور وشد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة في بلادنا، وأصبح الناس أكثر وعياً بدينهم وتمسكاً بعقيدتهم الصحيحة، كما لم يمنع ذلك بعض الحجاج والمعتمرين من زيارة مسجد بجدة بناه أحد الوجهاء ولا علاقة له بفاطمة الزهراء رضي الله عنها.