بندر آل جلالة من طبع البشر أنهم لا يحرصون على فعل، ما لم يقتنعوا بأهميته في حياتهم، وهنا تأتي أهمية القراءة في حياة الناس. البعض يقول بأهميّة القراءة، ولكنه في الحقيقة ليس مقتنعاً قناعة تامة تحفزه على أن تصبح نمطاً وسلوكاً. ومن أجمل ما قيل عن أهمية القراءة، ما سطره العقاد قائلاً :»لست أهوى القراءة لأكتب، ولا لأزداد عمرًا في تقدير الحساب، إنما أهوى القراءة لأن لي في هذه الدنيا حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة. القراءة وحدها هي التي تعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة، لأنها تزيد هذه الحياة عمقًا، وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب؛ فكرتك أنت فكرة واحدة، شعورك أنت شعور واحد، خيالك أنت خيال فرد واحد إذا قصرته عليك، ولكنك إذا لاقيت بفكرتك فكرة أخرى، ولاقيت بشعورك شعورًا آخر، ولاقيت بخيالك خيال غيرك، فليس قصارى الأمر أن الفكرة تصبح فكرتين، وأن الشعور يصبح شعورين، وأن الخيال يصبح خيالين، كلا، وإنما تصبح الفكرة – إذ التلاقي – مئات الأفكار في القوة والعمق والامتداد». والمتتبع لسير كثير من القراء، يصل إلى قناعة بعدم وجود طريقة واحدة مناسبة للقراءة والتعامل مع الكتاب، فالشاعر الإنجليزي، شيللي – مثلاً – كان يمزق كل كتاب يقرأه ليصنع منه زوارق صغيرة، ثم يطلقها في النهر ويتأملها وهي تبحر بعيداً، أما برناردشو، فكان يبدأ في قراءة الكتاب أثناء ارتداء ملابسه، فيلبس القميص ويجلس يقرأ قليلاً ثم يلبس البنطال ثم يعود ليقرأ، ثم يلبس ربطة العنق ثم يعود ليقرأ، وهكذا عندما يخلع ملابسه! وهكذا تعدد الطرق والأساليب، ولا يمكن أن نعتبر أن هنالك طقوساً أو أنماطاً معينة هي الأصلح للقراءة، كما أن هنالك ما يُسمى ب (الساعة الذهبية) للقراءة، وكل شخص لديه ساعة يكون فيها نشيط الذهن، متوهج النفس، وبذا تكون الأوقات مختلفة، اعتماداً على ظروف الزمان والمكان. إن القراءة سلوك بشري مُتفق على أهميته في نهضة الأمم وتقدمها، بيد أن الاختلاف يكمن – أحياناً – في كون هل القراءة مرتبطة بذات الكتاب المطبوع أم لا؟ خصوصاً في زمن تعددت فيه قوالب المعرفة، فهنالك من يؤكد أن الكتاب المطبوع لم يعد له ذلك التأثير المسيطر، ويميل آخرون إلى أن المصادر، مهما تنوعت، إلا أنّ الكتاب يبقى الأهم والأعمق تأثيراً.إن مما يعانيه كثير من القراء في الثلاث سنوات الأخيرة، عدم القدرة على مقاومة إغراءات الإعلام الجديد، لأن التعامل معه يحوي جاذبية تفاعلية بين أطراف مختلفة، بينما الكتاب يوفر تفاعلاً صامتاً مع الأحرف والكلمات، وكانت النتيجة هبوط واضح في مستوى القراءة المنهجية الجادة. إننا بحاجة ماسة إلى أن نجبر ذواتنا على ممارسة عادة القراءة اليومية، لوقت محدد، حتى نعيد التوازن المطلوب للبناء المعرفي العقلي.