استيقظت قرية صغيرة في يوم من الأيام على صوت وقع أقدام ثقيلة هزّت جدران البيوت الطينية، فخرج الناس من بيوتهم ليجدوا غولاً ضخماً يترنح ويضرب بقدميه الأرض متألماً، حيث كانت إحدى عيناه حمراء دامية يتدلى من زاويتها الخارجية غصن شجرة، جلس الغول يستجدي أهل القرية بصمت ويُشير إلى عينه طالباً النجدة، كان أنينه يزداد كلما حاول إخراج ذلك الغصن، حيث حالت يداه الكبيرتان دون إخراجه، وفي أحد المرات كاد أن يفقأ عينه بيده، إلى أن صرخ الناس: «توقف»! كلما حاول الاقتراب من أي فرد كانوا يبتعدون عنه، صوت بكائه وضخامة جسمه وبشاعة رائحته، كانت من ضمن الأسباب التي لم تجعل أحداً يتقدم لمساعدته، فلاذ كل واحد ببيته وتركوه يئن وحيداً طوال الليل. في صباح اليوم التالي، حين همّ الناس بالخروج إلى العمل، تسمّروا في أماكنهم فاغرين أفواههم، كانت أراضيهم قد حُرثت، وزرعهم تم سقيه، وماشيتهم قد عُلفت، اندهشوا كيف تم كل ذلك في ليلة واحدة، فوجدوا الغول من بعيد وهو متسخ بالتراب والأعلاف، كان يجلس منكسراً في طرف الغابة ينظر إليهم بعين، والعين الأخرى كانت تَقطُر دماً، فشعر الجميع بالخزي وتوجهوا إلى حكيم القرية، الذي أمر بإحضار الطبيب لإزالة الغصن وإطعامه وإكرامه ثمناً لقيامه بعمل يستغرق أسبوعاً. اقترب الطبيب ووضع بعض قطرات من الدواء على قطعة قطنية ووضعها على عين الغول، ثم سحبها بهدوء بيديه الصغيرتين، لتخرج صرخى مخيفى من فم الغول جعلت الطبيب يفرّ خائفاً، وحين هدأ روعه عاد إليه مرة ثانية وهو متردد، ليضع له قطرات مُسكنة، بكى الغول متألماً وتماسك إلى أن وضع الطبيب الدواء في عينيه وربطها برباط حول رأسه، ولم تمر دقائق حتى استسلم الغول للنوم بعد أن زال مصدر ألمه، وعندما استيقظ وجد أمامه أصنافاً وأنواعاً مما لذ وطاب، فابتسم للأهالي وأخذ بالتهامها دون توقف، مرّت الأيام وأصبح الغول واحداً من أهالي القرية، ارتاح له الناس واستأنس لوجوده الأطفال الذين اعتادوا اللعب معه. في نهاية أحد الأيام عاد الناس من أعمالهم ليكتشفوا أن باب مخزن الغلال مفتوح، وشاهدوا بأعينهم الغول يخرج منه ممتلئ البطن، وحين سألوه زأر بشكل مخيف بأنه شاهد إسكافي القرية يتوجه إلى المخزن، فتبعه ليكتشف بأنه يسرق، فهاجم الناس الإسكافي الفقير في منزله، باحثين عن الغلال المسروقة، فوجدوه متلبساً بتقسيم كسرة من الخبز بين أبنائه، ومع ذلك أخذوه وزجوه في السجن، وتمت مصادرة كسرة الخبز وتركوا أبناءه يتضورون جوعاً! وعد الغول أهالي القرية بأن يُسخر نفسه للقبض على كل متسلل وفاسد، وحماية أموال وثروات القرية من السرقة. وفي أحد الأيام استيقظ إمام القرية فجراً لكي يصلي بالناس، ليشاهد غولاً صغيراً يخرج من مخزن الغلال، فاقترب من الغول الكبير على استحياء يسأله، فأجابه بفظاظة بأن هذا ابنه الذي ضاع في الغابة، ولم يجد له مكاناً ينام فيه سوى مخزن الغلال الذي كلفه بحراسته في الوقت نفسه، خاف أهل القرية من أن يبدوا اعتراضهم، وظل الغول الكبير وابنه الغول الصغير يسيطران على مفاتيح خزائن القرية، وبعد عدة أيام وصلت الغولة الأم، فرحب بها أهالي القرية، وأخذوا يسردون أمامها فضائل الغول وابنه، وكيف كان يساعدهم في حرث الأرض وريّ الزرع والقبض على السارقين، وهكذا حتى تحول أهالي القرية إلى كسالى واتّكاليين يعتمدون على أُسرة الغول في قضاء شؤونهم، وهم غارقون في الأكل واللعب والنوم، إلى أن شح الغذاء ونقص مخزن الغلال كثيراً، بشكل بات يهدد اقتصاد القرية، فبدأ الناس بمواجهة أيام وليالٍ يتألمون فيها من الجوع، فطلبوا من الغول وأسرته السماح لهم بأخذ شيء من المخزون، فكان الغول يتفضل عليهم بالقليل ويقتر عليهم الطعام تقتيراً، وفي المساء ينطلق الغول وزوجته وابنه يرعيان من المخزن إلى أن تصيبهم التخمة، وفي الصباح يترك الغول الصغير أمام مخزن الغذاء للحراسة، ويعود في المساء يخفي ما أخذه من أراضيهم.بعد مرور سنوات من الجوع والحاجة، اكتشف أهالي القرية أن الغول غادر وتركهم وهم لا يعلمون، لأنهم اعتادوا على الخوف، فخرجوا من بيوتهم يتحسرون على سنواتٍ مضت حين كانوا يعملون بأيديهم قبل أيام الغول، التي أفقدتهم مهاراتهم وحوّلتهم إلى اتّكاليين وكسالى يعشقون من يخدمهم لدرجة العمى، مهدرين حياتهم على اللعب والأكل والنوم، لأن طعامهم يأتيهم دون عناء! مرّ على مغادرة الغول سنوات عديدة ومازالوا يتحسرون على أيامٍ مضت ولكن.. لا يعملون!