من المطمئن جداً؛ أن حالات هروب السجناء لدينا تكاد لا تُذكر. ولذلك؛ فإن هروب سجين واحد يمثّل حدثاً كبيراً في صحافتنا المحلية. وهذا ما حدث مع سجين أبها المتورط في جريمة قتل. ولم يكن الحدث كبيراً بوصفه خبراً فحسب؛ بل بوصفه واقعة أمنية حساسة جداً بالحسابات الاجتماعية التقليدية في بلادنا. وبعيداً عن هذه الحادثة بالذات؛ فإن القاتل للأسف لا يمثل نفسه فحسب، بل ربما مثّل عشرات أو مئات من الآخرين المتصلين به نسباً ورحماً. ولذلك نلاحظ أن كثيراً ممن يتورّطون في جرائم قتل يسلّمون أنفسهم طوعاً للأجهزة الأمنية. وقد يكون تسليم النفس مدفوعاً بالشعور بالندم والإثم، وقد يكون تحت ضغط الملاحقة الأمنية. لكنّ هناك الكثير من الحالات يكون فيها تسليم النفس محاولة لمنع ردّ الفعل الانتقاميّ لدى عشيرة القتيل وذويه. وحين يسلّم القاتل نفسه للأجهزة الأمنية؛ فإنه يكون قد سلّم القضية كلها للقضاء الشرعي، وعندها يكون لذوي القتيل الحق في استخدام حق القصاص، أو الحق في عدم استخدامه تنازلاً لوجه الله أو قوَداً معوّضاً بدية شرعية. خطر هروب أي قاتل في بلادنا آتٍ من تبعات الهرب ذاته على ذوي الهارب وذوي القتيل في الوقت نفسه. ولذلك؛ لم يكن مستغرباً أن تستنفر وزارة الداخلية طاقة ميدانية هائلة بحثاً عن هارب أبها. قد يكون هناك اعتبار آخر يتعلّق بقدرة جهازها الأمني على السيطرة على السجناء الخطرين، وهو اعتبار وجيه بطبيعة الحال. ولكن الاعتبار الأكثر أهمية على المستوى الاجتماعي؛ هو اعتبار عودة رجل خطر إلى الشارع، إلى المجتمع، إلى حيث ارتكب جريمته. وهذا في ذاته خطر جديد على الوزارة وأجهزتها المتفرعة أن تتحمّل مسؤولية تطويقه وإعادته إلى سيطرتها. وقد نجحت الجهات الأمنية في مهمة إعادة الأمور إلى نصابها. ولكن ذلك لا يُغلق باب التساؤلات عن الأسباب التي أدّت إلى هروب القاتل. وهذا هو الملف الذي على الجهات الأمنية أن لا تفتحه تحقيقاً وإجراءً فحسب، بل إفصاحاً عن المشكلة الأصل التي مكّنت قاتلاً خطراً من الإفلات من قبضة الأمن، على النحو الذي استنفر طاقات كبيرة في ملاحقته حتى القبض عليه. إذ لا أحد يُريد لمثل هذه الوقائع أن تتحوّل إلى أخبار معتادة .