سلطت مبادرة مستقبل الاستثمار التي انطلقت فعالياتها في الرياض أمس، الضوء على الأطر الجديدة في تشكيل الاقتصاد العالمي خلال العقود المقبلة، وأهمية الذكاء الاصطناعي والبيانات في اقتصاد المعلومات الجديد والمدن الذكية، وسط مشاركة مستثمرين وقادة الأعمال من مختلف دول العالم. وقد بدأت الجلسة النقاشية الأولى بحديث المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، التي أشارت إلى أن الصورة الحالية للاقتصاد العالمي أكثر إيجابية مما كانت عليه قبل الفترة الماضية، حيث من المتوقع أن يحقق الاقتصاد العالمي نمواً بنسبة 3.7 %، إلا أنها نبهت إلى أن المجتمع الدولي يواجه تحديين أساسيين قد يؤثران بشكل كبير على التنمية خلال العقود الخمسة المقبلة، وهما التغير المناخي والمخاطر الناجمة عن تزايد عدم المساواة في العالم. ورأت لاغارد أنه من الضروري التعامل مع هذين التحديين من أجل ضمان مستقبل إيجابي. وقد أكد على مسألة تزايد عدم المساواة عالمياً كلّ من رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في شركة بلاكروك لاري فينك، والرئيس التنفيذي المشارك في شركة بريدج ووتر أسوشيتس ديفيد ماكورميك، مشيرين إلى تنامي الشعبوية في الغرب، وهو أمر كان للتكنولوجيا دور سلبي فيه، مما أثار مخاطر كبيرة في عالمنا اليوم. أما رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في مجموعة فيرست إيسترن للاستثمار فيكتور تشو فقد تحدث من المنظور الصيني، وتحدث عن مبادرة البنية التحتية والتطوير «حزام واحد، طريق واحد» كونها مثالاً أساسياً على السياسات طويلة المدى التي تهدف إلى تحقيق المنفعة الاقتصادية الشاملة، ولاسيما في الاقتصادات الحدودية الناشئة. وفي حديثه عن خطط المملكة في مجال الاستثمار أكد معالي المشرف على صندوق الاستثمارات العامة الأستاذ ياسر بن عثمان الرميان، أهمية تأسيس شراكات عالمية جديدة، متناولاً اتفاقيات الصندوق مع كل من سوفت بنك وبلاكستون، كما تطرق إلى الحديث عن إستراتيجية الاستثمار التي يتبناها صندوق الاستثمارات العامة، التي تسعى إلى توطين التقنيات الحديثة في المملكة التي من المتوقع أن تخلق أكثر من 20,000 وظيفة بحلول العام 2020م. وتحدث الرئيس وكبير الإداريين التنفيذيين في شركة أرامكو السعودية أمين الناصر، عن مستقبل الطاقة، متطرقًا إلى الإمكانات الكبيرة التي توفرها مصادر الطاقة البديلة، مؤكداً أن الهيدروكربونات ستستمر في أداء دور أساسي في الاقتصاد العالمي في العقود المقبلة. ونوه الناصر بأهمية استكشاف سبل جديدة تساعد في خفض انبعاثات الكربون وجمعها، بالإضافة إلى تطوير نظم لتحقيق كفاءة أكبر في استهلاك الطاقة، إلى جانب العمل على تطوير الإمكانات في مجال الطاقة المتجددة. وبالحديث مجدداً عن القضايا التي تؤثر على المجتمعات عالمياً، أشار لاري فينك إلى أن التعليم سيكون جانباً أساسياً للاقتصادات الناشئة التي تطمح في مواصلة تحقيق معدلات نمو قوية، مؤكدًا أهمية أن يؤدي الجميع أدوارهم فيما يتعلق بتحقيق المساواة في العالم. وأكدت كريستين لاغارد على وجود «نظام جديد يتشكل، ومن الضروري أن يكون مرتكزاً على المجتمع وقيم المساواة والثقة». وتحدثت الجلسة الثانية في اليوم الأول عن الحجم الهائل للتغيرات والفرص المحتملة المرتبطة بالبيانات الضخمة التي تدخل في اقتصاد المعرفة الناشئ. وأكد الرئيس التنفيذي لشركة رايثيون توماس كينيدي، أن العالم لم يشهد سوى البداية للدور الأساسي الذي ستلعبه البيانات الضخمة في الاقتصاد العالمي، متوقعاً أن تكون الانطلاقة الحقيقية لهذه التطورات خلال الأعوام الخمسة المقبلة. وأشار الرئيس التنفيذي لشركة كريدي سويس تيدجين ثيام، إلى أهمية ثورة البيانات وإمكاناتها المثيرة، إلا أنه عبر كذلك عن ضرورة التعامل مع المخاطر المتزايدة على مستوى أمن المعلومات. وأكد الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز جوي كايسر، أهمية الاتفاق على ما ينبغي أن يكون الهدف الذي تمثله البيانات، مشيراً إلى أن البيانات الضخمة تستطيع مساعدة البشرية على تجاوز عديد من المشكلات الراهنة، مبيناً أن البيانات «تستطيع مساعدتنا حتى في التغلب على مرض السرطان». أما الرئيس التنفيذي لشركة ماستر كارد أجاي بانغا، فقد أطلق دعوة لتطوير نظم جديدة على مستوى السلامة والمعايير الأخلاقية من أجل ضمان عدم تضييع الفرصة التي تمثلها البيانات الضخمة بسبب إساءة الاستخدام. كما أكد رئيس مجلس إدارة شركة إعمار محمد العبار، أهمية استخدام البيانات الضخمة، ليس من أجل تحقيق المنفعة التجارية وحسب، ولكن من أجل تحقيق المنفعة للمجتمع. وأوضحت الرئيسة التنفيذية لشركة العليان المالية لبنى العليان، الدور الذي كان للبيانات الضخمة في مساعدة شركتها على تحسين كفاءة العمليات وخفض التكاليف وابتكار المنتجات الجديدة، كما أدلت بإشارة إيجابية حول تنامي حس المسؤولية الاجتماعية لدى الجيل الجديد، وأهمية ذلك في توجيه استخدام البيانات الضخمة لأغراض إيجابية. من جهته، ذكر رئيس الوزراء الأسبق في المملكة المتحدة توني بلير، أن الدول تمتلك وهي تواجه التحديات الراهنة اليوم أن تختار بين التركيز المحلي الضيق أو الإقدام على الإصلاح. وفي تعليقه على رؤية المملكة 2030 قال السيد بلير :»إنها أهم أمر يحدث في المنطقة في السنوات القليلة الماضية، أما فيما يتعلق بالتحديات التي تواجهها فقال: «من الضروري أن تحقق الرؤية النجاح لأنه سيكون لها تأثير في المنطقة وعلى الأمن في بقية أرجاء العالم». وتنعقد مبادرة مستقبل الاستثمار التي ينظمها صندوق الاستثمارات العامة، بين 24 و26 أكتوبر 2017م في الرياض. وتأتي هذه المبادرة التي تعتمد على نظام الجلسات المغلقة بدعوات حصرية في سياق رؤية 2030، وهي الخطة التي بدأت بالفعل برسم الطريق للمملكة نحو الاستفادة من موقعها الإستراتيجي الفريد وإمكاناتها الاستثمارية.