شكَّلت تصريحات الوفد الجزائري، أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، بخصوص وضعية حقوق الإنسان في المغرب، استياء عارماً داخل مملكة محمد السادس، واعتبرتها محاولة لإجهاض التقارُب الذي يسعى المغرب إليه مع جيرانه الجزائريين. وانتقد الوفد الجزائري وضعية حقوق الإنسان في الصحراء المغربية، وقدَّم بيانات قالت عنها الديبلوماسية المغربية، إنها مجانبة للصواب، وتسير عكس التيار، ومن شأنها أن تؤثر على التقارُب الذي تم تسجيله مؤخراً. وقال عمر هلال السفير الممثل الدائم للمغرب، إن تصريحات الوفد الجزائري أمام المجلس تسير في اتجاه معاكس للدينامية الحالية في العلاقات بين البلدين، وللجهود المبذولة لإحياء اتحاد المغرب العربي، معبراً عن اندهاشه العميق لما تضمَّنه التصريح الجزائري. تحذيرات من فتح الحدود قال مصدر ديبلوماسي مغربي طلب عدم الكشف عن هويته ل «الشرق» إن المتتبع لمسار المواقف الجزائرية في الفترة الأخيرة، من قضية التقارُب مع المغرب، سيلاحظ بأنها ملفوفة بالغموض، فتارة يسير تيار مسؤولين بارزين وفق ما يأمله شعبا البلدين من تقارُب وفتح للحدود المغلقة وإحياء اتحاد المغرب العربي، وتارة أخرى تجد عزفاً منفرداً وخارج السياق، وأن لا تقارُب على المدى القريب . واستشفت مصادر «الشرق» هذا الغموض، من التقرير الرسمي الأخير الذي تم تداوله على نطاق واسع، بخصوص التحذيرات الجزائرية من فتح الحدود المغلقة مع المغرب منذ العام 1994، بداعي الخسائر الاقتصادية والآثار الاجتماعية والأمنية المتوقعة، حيث كشف التقرير أن قيمة الوقود المهرب من الجزائر إلى المغرب، تجاوزت 42 مليون دولار العام 2011، عبر حدود ولاية تلمسان الواقعة على بعد 580 كيلومترا شمال غرب العاصمة الجزائرية والتي تمتد ل 170 كيلومترا مع الحدود المغربية، وهي المنطقة المفضلة للمهربين من كلا الطرفين. وأوضح التقرير الذي حمل توقيع وزير الطاقة والمناجم يوسف يوسفي أن الخسائر التي تكبَّدها الاقتصاد الجزائري بسبب تهريب الوقود عبر حدود تلمسان، تراوحت شهريا ما بين 3.7 و4.2 مليون دولار، من يناير 2011 إلى ديسمبر 2011، وأن قيمة المحجوزات لا تتجاوز 3 % من الحجم الإجمالي المتوقع للوقود المهرب.ورغم أن الحدود الجزائرية المغربية يتجاوز طولها 1500 كيلومتر، إلا أن تقييم الحكومة لتداعيات فتحها تركَّزت بالأساس على الشريط الواقع منها على أراضي ولاية تلمسان، الذي يحتكر الجزء الأكبر من نشاطات التهريب وتجارة الممنوعات، باعتبار النشاط الديموغرافي المكثَّف وتعدُّد الممرات السرِّية التي تخترق جبال ووديان تسمح طبيعة تضاريسها بحجب قوافل التهريب عن أنظار حرس الحدود. بنكيران يأمل بفوز الإسلاميين وكان رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران زعيم حزب العدالة والتنمية أكَّد بأن الحدود البرية بين الجزائر والمغرب لن تبقى مغلقة دون أن يعطي تاريخاً محدّداً لفتحها، مكتفياً بالإشارة إلى أن التاريخ سيهزم العقبات مؤكِّداً أن التقارُب حاصل لكن الإشكال يكمن في الخطوات العملية، موضحاً بأن هناك بعض التحفُّظ من الجزائريين من بعض القضايا العالقة، مثل قضية الصحراء. وبرأي مراقبين فإن تصريحات بنكيران التي أدلى بها أخيراً بخصوص حظوظ الإسلاميين الجزائريين في الانتخابات المقبلة والتي أشار فيها إلى أن «المرحلة مواتية لصعودهم في الانتخابات المقبلة،» ولكن الإشكال فقط يكمن في تعدُّد الأحزاب التي لها مرجعية إسلامية، فهي تتجاوز الخمسة أحزاب، وهذا قد يضعف نوعاً ما حظوظها.» أثارت حفيظة الجزائريين الذين اعتبروا الأمر تدخلاً واضحاً في شأنهم السياسي، واعتبر ناشطون جزائريون تصريحات بنكيران بأنها تدخُّل في الشؤون السياسية الداخلية للجزائر، وبأنه يأمل فوز إسلاميي الجزائر في الانتخابات المقررة في مايو المقبل، ليس حباً فيهم، وإنما من أجل أن يتخذوا موقفاً إيجابياً إزاء قضية الصحراء، فضلاً عن فتح الحدود البرية بين البلدين الجارين.واللافت أن هذا التصعيد الصامت من شأنه أن يؤثِّر سلباً على التقارُب بين البلدين، بعد ما راجت أخبار مفادها أن فتح الحدود وإرساء دعائم تعاون كبير وطي صفحة الخلافات مسألة وقت فقط، خاصة في ظل ضغوطات ووساطات دولية تسعى إلى استقرار المنطقة، الذي لن يتحقق سوى بفتح صفحة جديدة بين الرباطوالجزائر .