الشريعةُ في اللغة هي الطريقة أو المنهج، وهي مورد الماء الذي يستقى منه بلا رِشاء (حبل الدلو)، وعلى ذلك يمكن قياس معنى الشرع واشتقاقاته، ونسبة إلى التعريف فإن الطريقة أو المنهج في الغالب لا تكون إلا مكتسبة، وأكثر مصادر الاكتساب هي الأسرة المتأثرة بمصدرٍ أكبر منها كالمجتمع مثلاً والمجتمع متأثر بمصدرٍ أكبر منه كاللغة مثلا أو الدين وهكذا، إذا فمن الطبيعي أن يكون المرء انعكاس شريعة مجتمعه إلا في بعض الخصوصيات وليس انعكاسا مباشرا لمصدر اللغة أو الدين، وذلك ملحوظ في التباين بين مجتمعات اللغة الواحدة أو الدين الواحد، وإن من الشرائع التي نتصف بها في مجتمعنا ما أسميتها «شريعة الأضداد»، ومن التسمية يتضح لنا معناها وإن غاب عن بعضنا تداعياتها ومداها، «إن لم تكن معي فأنت ضدي» مقولة توضح لنا بعض إسقاطاتها ومفادها، ولست في صدد حصر تطبيقاتها في معاملاتنا حيث لا حصر لها، وإنما تعلّم أكثرنا في مادة الرياضيات «التفاضل والتكامل»، فطبقنا التفاضل ولم نحسن التكامل، وتعلمنا الرموز «أكبر من» «وأصغر من» ولم ننتبه للرمز «يساوي»، وفي كل المناهج مثل ذلك من العلوم التي نحفظها وبإرادتنا نغيّب مفاهيمها التي تتعلق بالإنسان مباشرة، بل حتى ما جاء منها صريحا في التشريعات الأكبر ضمن مصادر الدين واللغة كالآيات والأحاديث والأثر، إن أشكال الفئوية والطبقية والعرقية والفكرية الطاغية في مجتمعنا ما هي إلا نتيجة طبيعة لشريعة الأضداد التي تغذينا عليها أكثر من حليب أمهاتنا، يعود ذلك لعدم فهمنا مبادئ التكامل من الناحية الإنسانية التي أمرت بها وجوبا مصادر تشريعاتنا الدينية، التي تنسحب على باقي الدوائر والمعاملات في حياتنا، فإن أحسنّا أحسن الله إلينا وإن أسأنا فبما كسبت أيدينا، إن شريعة الأضداد التي تعد أبرز خصوصيات مجتمعنا في شكلها الخارجي تمام نقص ونمو غاية، أما في جوهرها فمزيد من التشظي إلى أن يسخر الله من ينسخ تلك الشريعة بغيرها.