في 2014 كنت في مهمة عمل رسمية في مركز الملك فهد الثقافي، وفي نهاية أحد الأيام التي أمضيناها نجهز للحدث المنتظر، بقيت أنا وصديقتي في المسرح، نتأمل هذه الخشبة العظيمة المستسلمة لصمتها الذي دام سنوات، نتأملها، ولم يقطع هذا التأمل سوى سؤال صديقتي الذي بدا بسيطاً: ماذا يمنع أن يكون على هذا المسرح حفلة موسيقية؟ أزعجني سؤالها البسيط؛ لأنه أيقظ حلما أصبح من صعوبة تحقيقه.. كابوساً، لكنها هي استمرت بتأملها وخيالها، ومتأكدة أنها عمقت الحلم وبإيمان شديد؛ لأن ما حلمت به ذلك اليوم تحقق في 2017! وجاءت الأيام التي انتظرناها طويلا، عقود غيبت فيها أطياف كثيرة، وهمشت توجهات شرائح مختلفة من المجتمع، في ظل سيطرة فئة واحدة ظلامية، وأقول إنها ظلامية ليس لأن توجهها يغلبه الموت والعذاب والبؤس، بل لأنها فئة غيبت غيرها ورفضت الآخر وحاولت مرارا إقناعنا بأن الصواب خطها، والحق طريقها، احتكرت الحياة وفق إطارها، وأعتقدت أنها تملك الجنة والنار.. تلك هي فئة الظلام! لسنوات واجهنا رغبتهم في قتلنا بمحاضرات الموت وعذابات الدنيا والآخرة، حذرونا من الجحيم رغم أنهم أخذونا له مسبقا، بقينا نحن نستمد الحياة من أرواحنا، ننبش عن الفرح، عن الكتاب، عن الموسيقى، بحثنا بمواردنا البسيطة وبإمكاناتنا المحدودة، خلقنا طريقنا واستمعنا لصوت العقل الذي هو قوي بوعيه، رفضنا فكرهم، سلكنا مسارنا الذي لم يكن أخضر؛ لأنه ليس بالسهل أن تتفرد، وليس بالسهل أن تقاوم. حتى جاء الإنترنت المتنفس الأوحد، فصار مكتبتنا وموسيقانا، غرقنا بكل ما نتوق له عبر شاشة كمبيوتر واتصال شبكة، شكلنا تكتلات متناثرة، نمارس الحياة كما نحلم، وسط مجاميع الناس في الواتسآب وتويتر. لكن كل هذا أصبح من الماضي، فما نعيشه اليوم مختلف تماما، فنحن نعيش سعودية جديدة، في ظل قيادة سياسية جريئة وقوية وحازمة، تستمع لكل الأطياف وترى كل التوجهات. على سبيل المصادفة العميقة، يوم الخميس الماضي كان خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – يفتتح مهرجان الإبل، ومهرجاناً للشعر والشيلات والتراث، وفي ذات اليوم تحت سماء الرياض تمايلت النجوم وتراقصت على عزف الأوركسترا اليابانية، وهذا ما نحتاجه، وطن يستوعب كل توجهات أبنائه وأن يتفهم اختلافهم، فقط حين يحترم كل طرف الآخر، ويعيش مساحته بطريقته، لا تطاول، لا طمس ولا تشويه. ولمركز الملك فهد الثقافي خطوة البدء، وهو الذي خيمه الظلام لسنوات، عاد بشكل مختلف، ليؤدي دورا سباقا، ويكون منبرا عظيما، على يد قائده، وبكل الدعم الذي يحظى به من وزارة الثقافة والإعلام وقائدها، ليكتب التاريخ أنه كان له السبق، وأن على مسرحه سجلت بطولة من نوع آخر، فالوطن يحتمل كل الأطياف، ويتسع للجميع مهما تعددوا، تماما مثل مساحته الجغرافية الكبيرة. منذ الخميس، قطعت عهدا على نفسي، بأن أكون أكثر تفاؤلا عما كنت في 2014، وسأنافس صديقتي بأحلامها؛ لأننا في زمن باتت الأحلام حقيقة، وسأتخيل الرياض عاصمة للثقافة، ومنبرا للفنون والآداب، ستتوج يوما بدار أوبرا، ومسرح يليق بالأسماء التي غادرتنا ولم تعش ما نعيشه، كم وددت لو بيننا القصيبي والثبيتي والوابلي وغيرهم كثير، فقد غادرونا يحلمون بالرياض عروساً، لكن عزاءنا بأن تكون كل مدن المملكة عرائس متزينة بالتعايش والجمال في ظل رغبة شعب، وقوة قرار سياسي.