مرت 14 عاماً على احتلال العراق البلد الشقيق صاحب الحضارة العريقة بلاد الرافدين وأرض الخلافة العباسية التي قدمت للحضارة الإنسانية عديدا من أسباب التقدم والنمو والتطور في مجالات العلوم المختلفة. في 20 مارس عام 2003م أقدمت القوات الأمريكية والبريطانية بشن غاراتها على العراق بهدف احتلاله وإسقاط نظام صدام حسين، وذلك من دون مسوغات أو مبررات واضحة سوى نية أمريكية مبيتة لإنهاء العراق وتدميره كبلد وكنظام سياسي كان يمثل حجر عثرة في الوقوف تجاه الأطماع التوسعية لبعض بلدان دول المنطقة ويحفظ توازن القوى في المنطقة. الآن ونحن نقترب من مرور عقد ونصف على هذه الجريمة الكبرى (احتلال العراق) هناك أوراق وحقائق لابد لها من الظهور كي تبين للرأي العام العربي والعالمي كيف تم استغلال المنطقة وتسريب معلومات كاذبة تمهيداً لتنفيذ تلك الجريمة الكبرى. منذ اللحظات الأولى لدخول الدبابات الأمريكية بدأت عملية تدمير العراق كبلد وحضارة عالمية، وسرقت حضارته وآثاره الممتدة لآلاف السنين، ورافق هذا تصفية واستهداف لرموز وعلماء عراقيين في مختلف مجالات العلوم ممن رفضوا التعاون مع الاحتلال، ومنذ ذلك اليوم بدأت الميليشيات الطائفية بممارسة القتل والتهجير وجرائم الخطف والاغتصاب تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي. عراق اليوم لا يمكن التنبؤ بمستقبله الذي أصبح مجهولاً في ظل سيطرة الميليشيات الطائفية التي استولت على زمام السلطة فيه وفرغته من الكفاءات وسرقت مقدراته وثرواته حيث يعد العراق حالياً من أعلى الدول معدلاً في الفساد منذ الاحتلال الأمريكي. يكشف نبيل نجم الذي شغل منصب سفير العراق في الجامعة العربية مجموعة من الحقائق والأسرار التي قد تعد جديدة على بعض حول الحرب على العراق، حيث كان قريباً من دائرة صناعة القرار السياسي العراقي وقت انطلاق الغزو الأمريكي. في كتابه «في مرمى النيران» يستعرض نجم مجموعة من وثائق الخارجية العراقية المتعلقة بفترة الغزو والحرب، إضافة إلى رسائل خطية كتبها صدام حسين عن الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك إضافة إلى مجموعة من الصور عن تلك الفترة العصيبة. يفند الدبلوماسي العراق نبيل نجم قضية ما عرف بطرد لجان التفتيش التي اختلقتها القوى الدولية بهدف غزو العراق، حيث يؤكد بأنه لا صحة لها وينفي طرد تلك اللجان واستبعادها، حيث يقول إن لجان التفتيش «أونسكوم» غادرت في ديسمبر من العام 1998م بقرار ريتشارد باتلر تمهيداً للعدوان على العراق، كما أن خروجهم كان وفق اتفاق أمريكي مع باتلر لضمان سلامتهم. ويروي الدبلوماسي نبيل نجم الذي عمل سفيراً للعراق في عدد من دول العالم كان آخرها وأهمها القاهرة، وعاد بعد عام 1992م مندوباً لبلاده في الجامعة العربية، ليعمل بعد ذلك وكيلاً لوزارة الخارجية ومستشاراً في رئاسة الجمهورية بمكتب نائب الرئيس طه ياسين رمضان -رحمه الله-. المحاولات التي جرت لإقناع الرئيس الراحل صدام بالتنحي بصيغة معينة وكان أبرزها محاولة الروس، حيث زار رئيس الحكومة الروسية الأسبق يفغيني بريماكوف يوم 14 فبراير 2003م بغداد والتقى صدام حسين، الذي رفض الفكرة بشدة. وقال له «إنك تكرر ما اقترحته قبل 12 سنة وإني سمعت منك ذلك في العام 1991م وأنت تعود الآن لتكرر ذلك» فيما جاءت المحاولة الثانية من الأتراك كما يرويها نجم، إذ تحرك رئيس الوزراء التركي آنذاك عبد الله غول مع الدول المجاورة للعراق. وعقد اجتماعا في إسطنبول بشأن العراق وما يمكن فعله من مبادرات ومنها السعي لإقناع صدام حسين بالتخلي عن السلطة والسفر إلى خارج العراق. وقد تم إبلاغ هذ المبادرة والاقتراح لطه ياسين رمضان في زيارته السرية الخاطفة والسريعة لتركيا، التي لم تستغرق سوى بضع ساعات، عاد بعدها رمضان فوراً عبر سوريا ولم يمض الليلة في أنقرة. هذا المقترح سبقه تصريح لوزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد في 19 يناير 2003م، إذ قال «إن الولاياتالمتحدة على استعداد لمنح صدام حسين حصانة من أي مساءلة إذا قرر الخروج مع أسرته ومن يريد من أعوانه وأسرهم إلى خارج العراق، والولاياتالمتحدة على استعداد لأن توفر لهم ملجاً كريما وحياة سخية» هولاكو جديد بدأ يطل على المنطقة وعينه على بغداد الرشيد عاصمة الخلافة العباسية والعالم يحبس أنفاسه وتتسارع الساعات تلو الأخرى بعد رفض الإنذار الذي وجهه الرئيس الأسبق بوش للرئيس العراقي صدام حسين في بيان للقيادة العراقية صدر يوم 18 مارس 2003م، وبعد 48 ساعة من رفض العراق بدأت ملامح رسم خارطة جديدة للمنطقة تلوح ومعها بدأ تنفيذ أولى خطوات تدمير العراق. ونكمل في المقال الثاني تطورات الأحداث ومساراتها، نلتقيكم على خير.