قبل أكثر من أسبوعين أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جملة من التصريحات الإعلامية القوية في ظاهرها تجاه إيران، الذي رأى فيها هارولد روود وهو أحد أبرز المستشارين المقربين من إدارة الرئيس الحالي وكان يعمل مستشاراً سابقاً في وزارة الدفاع الأمريكية أن قدوم ترامب لسدة الرئاسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية يعد صفعة كبيرة لنظام طهران بل ذهب إلى أبعد من ذلك وتوقع حصول خسارة كبيرة للنظام الإيراني ربما أدت لسقوطه. ولو رجعنا قليلاً للوراء سنجد أن الرئيس جورج بوش الابن قال في أكثر من مناسبة إنه لا يستبعد الخيار العسكري.. حيث ردت إيران في حينها: بأننا لسنا العراق. في إشارة واضحة من نظام الملالي في طهران بأن العراق لم يعد دولة قوية في المنطقة. وكرر ذات العبارة الرئيس السابق المنتهية ولايته باراك أوباما بأنه لا يستبعد الخيار العسكري ضد إيران. أما الرئيس الحالي 45 للولايات المتحدةالأمريكية دونالد ترامب فلم يزد على ما قاله سابقوه حيث صرح بأنه لا يستبعد الخيار العسكري في التعامل مع إيران. وضمن مسلسل التصريحات الإعلامية المتبادلة حذر نائب الرئيس الأمريكي الحالي مايك بنس في مقابلة مع تلفزيون «آي بي سي» قبل أيام حذر إيران من تداعيات مواصلة سياساتها الاستفزازية والعدائية حيث قال «إن على إيران التفكير مرتين قبل الإقدام على اختبار إرادة الرئيس دونالد ترامب فيما يتعلق بكثير من القضايا، أبرزها إجراء تجارب إطلاق صواريخ بالستية والدعم الذي تقدمه للحوثيين في اليمن». وعند سؤاله عن الرد المحتمل من الإدارة الأمريكية تجاه الإجراءات الإيرانية الأخيرة، أوضح بنس أن «الرئيس الأمريكي قال إن كل الاحتمالات مطروحة، ضمنها العمل العسكري». وزاد بنس في تصريحه قائلاً إن الإدارة الأمريكية الحالية تعكف في الوقت الراهن على تقييم كيفية التحرك في هذا الصدد. لم تكتفِ الإدارة الأمريكية الحالية بتصريحات الرئيس ونائبه تجاه إيران بل خرج مستشار الأمن القومي الأمريكي، مايكل فلين ليضيف حلقة جديدة ضمن مسلسل التصريحات المتبادلة قائلاً: إن المجتمع الدولي متساهل جداً مع تصرفات إيران السيئة، وأن زمن غض الطرف عن تصرفات طهران العدائية تجاه أمريكا والمجتمع الدولي مضى. كما اعتبر فلين الحوثيين جماعة إرهابية تدعمها وتقف خلفها إيران. عندما نقارن بين تلك التصريحات التي أطلقتها الإدارة الأمريكية الحالية مؤخراً وتصريحات الإدارات السابقة للولايات المتحدة نخرج بنتيجة مفادها أن هذا النوع من التصريحات جاء للاستهلاك الإعلامي الذي يصب في مصلحة الجهتين، وهي حلقة ضمن مسلسل التصريحات المتبادلة منذ قرابة أربعة عقود. لقد باتت تلك العبارات مشابهة لعبارة الموت لأمريكا التي يستخدمها نظام الملالي في طهران وعملاؤه في المنطقة كالحوثيين في اليمن والحكومة العراقية وميلشياتها الطائفية المتمثلة بالحشد الشيعي والنظام الطائفي في سوريا بقيادة بشار الأسد. تستخدم واشنطنوطهران مثل تلك التصريحات بين الحين والآخر للاستهلاك الإعلامي وفي المؤتمرات الصحفية لإثارة الرأي العام الدولي وإشغال دول المنطقة لتنفيذ الأجندات المتفق عليها بين الطرفين، ولابد من فهمها في هذا السياق. إن الحرب الكلامية التي حدثت مؤخراً لا يمكن البناء عليها مستقبلاً أو توقع حدوث تغير دراماتيكي في علاقة الدولتين ببعضهما ما دامت تلك التصريحات لم تترجم لواقع ملموس وذات تأثير حقيقي في بنية النظام الإيراني الحالي. وتأتي ما سمي بالعقوبات التي اتخذتها إدارة الرئيس مؤخراً في هذا الإطار حيث لم تكن سوى إجراءات شكلية اتخذتها إدارات الرؤساء السابقين. «وبانتظار أن يعثر الحاج متولي الأمريكي على الزوجة الرابعة» كما وصفته الكاتبة التونسية شيماء رحومة، فلم يعد خافياً أن هناك زواجاً غير شرعي بين طهران والإدارات الأمريكية المتعاقبة بدأ منذ عقود وممتداً حتى الوقت الحاضر وقد تختلف الرؤى ووجهات النظر في بعض الأحيان ولكن الأولويات تبقى ثابتة بين كل الطرفين. لقد أعطت أمريكاإيران الضوء الأخضر للتدخل في المنطقة منذ عقود وجعلتها أداة لها بهدف إشغال المنطقة وشعوبها عن الكيان الصهيوني وجرائمه في فلسطين وتوجيه العداء المباشر تجاه إيران بدلاً من الصهاينة شريطة أن تضمن أمريكالطهران مصالحها وتمدد نفوذها وغض الطرف عن تصرفاتها، وهذا ما يحدث منذ عقود وحتى يومنا الحاضر. يجب أن يدرك الساسة العرب والمثقفون المتفائلون من التصريحات الأخيرة أن المشهد الحالي يتكرر ولكن بوجوه وإدارات مختلفة وأن الأولويات تبقى واحدة ومنسجمة بين طهرانوواشنطن والكيان الصهيوني وأن جميعهم متفق على استنزاف مقدرات المنطقة ونهب ثرواتها بمزيد من صفقات التسلح وإشغال شعوبها، ولا سبيل لمواجهة هذه السيناريوهات إلا بالوعي الكامل وعدم تكرار الأخطاء الماضية وقراءة الواقع قراءة صحيحة ومتأنية بعيداً عن ردود الأفعال الآنية.