نحن التهاميين عندما نصعد إلى جبالها الشاهقة، نتنفس عبير هوائها العليل، ونعانق غيماتها، ونستظل تحت أشجارها، ونعزف أنغام السفر على أوتار أصواتنا الحالمة، ونعترف لها بحبنا وعشقنا وهيامنا، كما يفعل ذلك دائماً محبوها وعشاقها وهم كثر، ولأننا نعرف أن «فيفاء» تحب مَنْ يحبها، أولئك الذين لا يغيبون عنها أبداً، تحملهم على صدرها، فتغرِّد بهم الصباحات الندية على باحاتها، وتدغدغ وجناتهم الغيمات البهية التي تتسابق لتلثم جباههم، وعلى الرغم من تضاريسها الصعبة التي تتميز بانحدارات شديدة، ومنعطفات خطرة، وطرقات وعرة، إلا أنها تبدو للرائي بهية حسناء بمدرجاتها الخضراء، يستقبلك هواؤها النقي كنقاء أهلها، كلما عانق الغيم هامات الجبال، في حين تنادي أفواههم: «فيفاء يا هبّة الطفولة // يا منية الروضة العليلة». هذه الغادة الفاتنة، عروس الجبل، يحق لها أن تتكبَّر وتتبختر لِما تتمتع به من طبيعة ساحرة، ومناظر خلابة، وأجواء جاذبة، ومقومات جيدة لحياة باذخة، ويتمتع أهلها بثقافة اجتماعية عالية، وفيها نهضة علمية وتربوية كبيرة، وتتكئ على موروث تاريخي ضخم، إلا أنها في حاجة إلى التفاتة جادة من المسؤولين، لِما يعتريها من نقص واضح في الخدمات العامة، وفقر مدقع في المشاريع التنموية الحيوية، وأولها الطرق التي يعاني من صعوبتها الأهالي، بل ذهب ضحيتها كثيرٌ ممن يعشقون السفر منها وإليها، فمن الظلم أن نقول عن تلك «المصدَّات» المتناثرة على جوانب الطريق الرئيس المؤدي إليها، بأنها تكفي لحماية أرواح الناس، فالطريق نفسه يفتقد لأبسط مقومات السلامة، والناس تتساقط فيه بشكل مستمر. ولعل من المناسب أن نذكِّر وزارة السياحة بهذه الجميلة «فيفاء» ففيها كل مقومات السياحية إذا أحسنا استغلالها، فقط تحتاج إلى التفاتة خاصة من صاحب السمو وزير السياحة والآثار، ليوجِّه جهاز السياحة في جازان بتلبية احتياجاتها السياحية، والاستفادة من مناخها المعتدل، والتركيز على قدرات أهلها العلمية والتراثية، «فيفاء» تستحق أكثر. وكنا على موعد مع الشعر والجمال، في أمسية البهاء والدلال إحدى أماسي الأدب والثقافة التي يحييها نادي جازان الأدبي خارج مقره الدائم في كل موسم، فقد عوَّد النادي جمهوره المحب على الخروج من بوابته مشرعاً ذراعيه للريح والمطر، ومستقبلاً الأجيال ناشئة الأدب في محافظاتهم البعيدة عن المقر الرئيس للنادي، ليساهم في بناء شخصياتهم الأدبية، وصعودهم المنصات، وملامسة جوهر الإبداع بمشاركة رموز الأدب والثقافة للاحتفاء بالأجيال الأدبية، والأخذ بأيديهم إلى ساحة الإبداع. مازالت المحافظات البعيدة عن المدن الكبرى لها نكهة الزمان القديم المحتفظ بجمال العادات والتقاليد، وبياض القلوب، والتفاف الأهل وتكاتفهم بروح الفريق الواحد ذي الهمم العالية والتربية الحسنة، والاحترام المتبادل بين الأفراد، والتعاون الباذخ بين الشيوخ والشباب، ويأسرك التعامل الراقي فيما بينهم برفعةٍ وسموٍ وأدبٍ وكرمٍ نابع من أصالة الأخلاق الحميدة، والخصال الفاضلة، والمشاعر الصادقة عند استقبال الضيوف بكل حفاوة وترحاب.