إننا نعيش عصراً مذهلاً، كلُّ شيءٍ فيه خاضعٌ للتطور وفق متتالية هندسية (16،8،4،2) ليس في الحقل التقني فحسب، بل إنَّ هذا التطور اكتسح طوفانه الإنسانَ بكلِّ تفاصيله، وكلِّ ما يتعلق بحياته، والواقع أنَّ مَنْ يدفع بهذه الموجة المتمردة، ويدير دفة آلتها العجيبة، هو الإنسان ذاته، وبحسب قرب أي أمة من القيادة يكون نصيبها، ليس بتطبيق ما أنتجته العقول البشرية، ولا الاكتفاء بالمشاركة في تطويره، وإعادة إنتاجه بطرق جديدة، ولكن بالمشاركة الخلَّاقة، وهذا هو المطلوب. وعليه، فإنَّ تبنِّي النمطية بصفتها منهجاً «استاتيكياً» في التعامل مع مكتسبات الحضارة، يتناقض مع التطور الذي يعزِّز بقاء الإنسان سيِّداً على كَونِه، لأنَّه منهج يعتمد ثباتَ الأشياء، وإبقاءَها على حالها، ولأنَّنا نريد أن يكون لنا موضع قدم على سلَّم الحضارة الحديثة، لذا نحن في حاجة إلى تبنِّي الأسلوب الديناميكي القائم على الحركة النشطة المتجددة، الذي يحرِّر الطاقات الكامنة في الإنسان، ويكشف عن إبداعاته. إنَّ أخطر المجالات التي كانت ضحية النمطية، هو المجال التربوي بلا منازع، حيث إنَّه يتبع منهج القولبة من خلال صبِّ الناشئة في قوالب جهَّزها لهم الكبار الذين خضعوا إلى قولبة مَنْ سبقوهم من قبل، وعليه فلا يمكن أن تبرز مع هذا النوع من التربية الفروق الفردية مثل الموهبة، والنبوغ، والاستعداد للإبداع، ففي الفصل الواحد على سبيل المثال نجد تقارباً في التحصيل الدراسي، بينما في الواقع الفروق الفردية أكثر من أن تحصى، وبهذا فهي تعمل على مصادرة تلك الفروق وإبقائها في حالة كمون فلا يستفاد منها، وينسحب ذلك على المعلمين الذين لم يسلموا من سلبية النمطية التي تعيق بروز التميز والإبداع الموجودين لدى بعضهم بما تفرضه عليهم من أساليب وطرق «يحدُّهم» المنهج بها فتحرمهم من تحقيق ذاتهم، والإسهام في تطوير مجتمعهم. إذا كانت مؤسساتنا التعليمية جادة في إحداث تطور نوعي في مخرجاتها، فالتبادر باستبدال منهجها النمطي بآخر ديناميكي لتتحرر الطاقات الكامنة.