فيما تعكف الأممالمتحدة على تحضيرات جولةٍ جديدةٍ من محادثات جنيف بشأن سوريا؛ اجتمع ممثلون عن أكثر من 10 دول، في بون، لبحث مستجدات الأزمة. وأفاد مطّلعون على نتائج اجتماع بون بأن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، أبلغت دُوَلاً برفضها وضع كل معارضي بشار الأسد في خانة «الإرهاب»، وهو ما أشاع «ارتياحاً». وتبدأ الجولة الجديدة من محادثات السلام السورية في جنيف الخميس المقبل؛ الموافق ال 23 من فبراير. وأوضحت المتحدثة باسم المبعوث «الأممي» إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، أن الأخير لا يزال يضع اللمسات النهائية على قائمة من سيحضرون الجولة. وأشارت المتحدثة، يارا شريف، إلى ردود إيجابية بالفعل على الدعوات التي وُجِّهَت حتى الآن، متوقعةً، في تصريحٍ أمس من المدينة السويسرية، وصول بعض المشاركين منتصفَ الأسبوع الجاري. وبعدما لفتت إلى علمها بشائعاتٍ عن مزيد من التأجيل لهذه الجولة التي كانت مقررة أصلاً في ال 8 من فبراير؛ صرّحت شريف: «لا توجد خطط لتأجيلها مجدداً»، بحسب ما نقل عنها الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء «رويترز». في غضون ذلك؛ نقل مصدر دبلوماسي غربي عن وزير الخارجية الأمريكي الجديد، ريكس تيلرسون، أن واشنطن لن تتعاون عسكرياً مع موسكو قبل أن تتوقف الأخيرة عن وصف كل معارضي بشار الأسد ب «إرهابيين». وبحسب «رويترز»؛ ذكر المصدر أن تيلرسون قال، أمس في بون، لدولٍ تعارض الأسد إنه «لن يكون هناك تعاون عسكري حتى يقر الروس بأن كل المعارضة ليست إرهابية». وكان المصدر يتحدث بعد عقد تيلرسون محادثاتٍ مشتركةٍ هي الأولى له مع مجموعة الدول المعارضة للأسد، وبينها السعودية وتركيا وفرنسا وبريطانيا. وتأتي هذه الاجتماعات على هامش لقاء وزاري في المدينة الألمانية لدول مجموعة ال 20 الاقتصادية. وأعربت برلين وباريس عن ارتياحهما بعد الاجتماع مع تيلرسون، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء «فرانس برس» عبر موقعها الإلكتروني. وصرّح وزير الخارجية الألماني، سيغمار غابريال، قائلاً: «جميع المشاركين يريدون حلاً سياسياً لأن الحل العسكري وحده لن يؤدي إلى السلام في سوريا». بدوره؛ قال وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك آيرولت، إن «من المهم والضروري أن يقوم حوار وثيق مع الولاياتالمتحدة حول هذه المسألة السورية (…) تثبتنا هذا الصباح من أننا متفقون جميعاً». وشدد آيرولت: «نطلب من الراعي الروسي للنظام أن يضغط عليه من أجل أن يتوقف عن اعتبار المعارضة بكاملها إرهابية، وإلا فلن تجري مناقشاتٌ في جنيف». ويأتي موقفه بعدما قال بشار الأسد مجدَّداً، خلال مقابلةٍ مع وسائل إعلام فرنسية نُشِرَت الخميس، إنه يعتبر جميع الفصائل المعارضة «إرهابية». وبحسب «فرانس برس»؛ أعرب حلفاء واشنطن، الذين كانوا يترقبون الكشف عن توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة، عن اطمئنانهم بشأن الملف السوري «بعدما حصلوا على تأكيدات من وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، عن دعم مفاوضات جنيف». ونقلت الوكالة عن مصدرٍ غربي أن «تيلرسون كان واضحاً للغاية حيال ضرورة توجيه رسائل إلى الروس، وشرح لنا أنه لن يكون هناك تعاون عسكري مع الروس طالما أنهم لم ينأوا بأنفسهم عن موقف دمشق بشأن المعارضة». ومن الجانب الأوروبي؛ لفت آيرولت إلى توجُّهٍ للضغط على موسكو من خلال عملية إعادة الإعمار، محذّراً: «قلنا إنه من غير الوارد تمويل إعادة الإعمار والنظام على ما هو». ولم تنجح 3 جولات سابقة من محادثات السلام السورية، التي ترعاها الأممالمتحدة في جنيف، نتيجة التباعد الكبير في وجهات النظر حول المرحلة الانتقالية ومصير الأسد. في سياقٍ متصل؛ لفت الموقع الإلكتروني ل «رويترز» إلى إشارات «أممية متضاربة» بشأن استخدام عبارة «الانتقال السياسي» كوصفٍ لأهداف جولة المحادثات المقبلة. و«الانتقال السياسي» عبارة فسّرها معارضو الأسد على أنها تعني إزاحته أو على الأقل تقليص سلطاته، لكن نظامه رفض أي إشارةٍ لطرح الأمر للنقاش. وفي جولاتٍ سابقةٍ في جنيف؛ حاول المفاوضون عن النظام باستمرار تحويل دفة الحديث بعيداً عن تلك النقطة. ونقل الإعلام عن المتحدثة باسم دي ميستورا قولها، الجمعة في جنيف، إن الجولة الجديدة، التي تبدأ الخميس المقبل، ستناقش الانتقال السياسي. ففي ردٍّ على أسئلة أحد الصحفيين؛ أجابت يارا شريف: «أعتقد .. نعم.. يمكنك استخدام عبارة الانتقال السياسي. سيكون محوراً للمحادثات- حسب اعتقادي- كما كان في الماضي». لكنها، وبحسب «رويترز»، أرسلت في وقتٍ لاحقٍ رسالةً عبر البريد الإلكتروني ل «توضيح» تصريحاتها. وجاء في الرسالة: «هذا الصباح في الإفادة الصحفية؛ سُئلتُ عن المفاوضات بين الأطراف السورية وما إذا كانت ستناقش قضية الانتقال السياسي .. لغرض التوضيح .. من فضلكم لاحظوا أن المفاوضات سوف تسترشد تماماً بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي يتحدث بشكل محدد عن الحكم ودستور جديد وانتخابات في سوريا». والقرار، الصادر في ديسمبر 2015، تم تبنيه بالإجماع كأساسٍ لمحادثات السلام السورية التي عُقِدَت بشكل متقطع في الأشهر الأولى من 2016 لكنها لم تُستأنف بعد نهاية أبريل الماضي. ويقول القرار إن على الأمين العام للأمم المتحدة الدعوة لعقد مفاوضات رسمية بشأن «عملية انتقال سياسي بصورة عاجلة .. بهدف إيجاد تسوية سياسية دائمة للأزمة». ويشير القرار، أيضاً، إلى اتفاقات دولية سابقة دعت إلى انتقال سياسي. «لكن وصفَه للعملية السياسية لا يتضمن ذكراً للعبارة .. ويحدد أهدافاً مثل دستور جديد وانتخابات حرة ونزيهة تدار تحت إشراف الأممالمتحدة وحكم يتسم بالشفافية والمحاسبة»، بحسب ما ذكر موقع «رويترز». وكتب الموقع أن «عدم استخدام عبارة الانتقال السياسي» لوصف أهداف جولة جنيف الجديدة قد يكون تنازلاً كبيراً لصالح المفاوضين عن الأسد. وانتهت آخر جولةٍ من المحادثات في أبريل الماضي بتلخيصٍ من دي ميستورا لما تم الاتفاق عليه وقتها والخطوات المقبلة المطلوبة. وصرّح المبعوث حينها «لم يعد أحد يشك بعد الآن في أن هناك حاجة عاجلة لانتقال سياسي حقيقي وجاد .. هل تذكرون متى كانت كلمة انتقال- على الأقل في منطقة بعينها- من المحظورات؟ لم يعد الأمر كذلك». ميدانياً؛ أعلن الجيش التركي، في بيانٍ الجمعة، أنه يوشك على استكمال عملية انتزاع السيطرة على مدينة الباب التابعة لمحافظة حلب شمالي سوريا. وجاء في البيان: «عملية انتزاع السيطرة الكاملة على منطقة الباب قاربت نهايتها ومقاومة جماعة داعش الإرهابية انهارت إلى حد كبير». لكن المرصد السوري لحقوق الإنسان قال إن قوات «درع الفرات» لم تحقق تقدماً يُذكَر؛ وإن 90% من الباب تحت سيطرة «داعش». وذكر المرصد أن القصف التركي والضربات الجوية على هذه المنطقة «قتلَت 45 مدنياً بينهم 18 طفلاً خلال ال 48 الماضية»، لكن أنقرة أكدت مراراً حرصها على حياة المدنيين. ومنذ أسابيع؛ تحاول قوات سورية معارِضة مدعومة من أنقرة طرد التنظيم الإرهابي من هذه المدينة التي تبعد 30 كيلو متراً عن حدود سوريا مع تركيا. وبحسب «رويترز»؛ ذكر مسؤولون أتراك مراراً أن العملية تستغرق أكثر من المتوقع بسبب عدد المدنيين الذين لا يزالون في المدينة والحرص على عدم إيذائهم، وأسقطت القوات التركية منشوراتٍ على المدينة، منذ ديسمبر الماضي، تحث المدنيين على الاختباء. وفي أواخر أغسطس الماضي؛ أطلقت أنقرة عملية «درع الفرات» في الشمال السوري ضد «داعش» ومقاتلين أكراد. إلى ذلك؛ زار رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال جوزيف دانفورد، قاعدة إنجيرليك الجوية (جنوبتركيا) الجمعة. ويستخدم التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن ضد «داعش»، هذه القاعدة في قتال التنظيم. وتشارك أنقرة في التحالف، لكن علاقاتها مع واشنطن توترت بسبب الدعم الأمريكي ل «وحدات حماية الشعب الكردية» السورية. وتعتبر تركيا «وحدات حماية الشعب» قوةً معاديةً؛ وامتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمرداً مسلحاً ضد الدولة التركية منذ أكثر من 3 عقود. وقال مسؤول بارز في الحكومة التركية ل «رويترز» إنه «حان الوقت للقيادة الأمريكية لتوضح مع من تتعاون في سياستها الخاصة بسوريا». وتابع: «هناك جنود أمريكيون في سوريا ورأينا النتائج، لقد دربوا وحدات حماية الشعب التابعة لحزب العمال الكردستاني التي نصنّفها كمنظمة إرهابية وزودوهم بالأسلحة ودعموا الجماعات الإرهابية». ومؤخراً؛ أفاد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأن الهدف التالي ل «درع الفرات» سيكون مدينة الرقة (معقل داعش الرئيس في سوريا)، لكنه قال إن قوات عربية، وليس الوحدات الكردية، هي التي يجب أن تشارك في الهجوم. وتنفّذ «قوات سوريا الديمقراطية»، وهي تحالفٌ يعتمد بشكل رئيسي على الوحدات الكردية، عمليةً متعددة المراحل لتطويق الرقة، بدعم ضرباتٍ جويةٍ وقواتٍ بريةٍ خاصةٍ من التحالف الدولي. و«قوات سوريا الديمقراطية» تضم كذلك مجموعات مسلحة عربية وتكتفي بقتال «داعش» دون خوض مواجهات ضد النظام. من جهتها؛ أعلنت وزارة الدفاع الروسية، الجمعة، أن عدداً من قاذفاتها بعيدة المدى أطلق سلسلة صواريخ «كروز» على أهداف ل «داعش» حول مدينة الرقة. وأبانت الوزارة أن قاذفات «توبوليف-95» أقلعت من روسيا وحلّقت فوق إيران والعراق للوصول إلى سوريا و»استهدفت بنجاح معسكرات تدريب ومركز قيادة للمتشددين». وتسري هدنة هشة في سوريا منذ أواخر ديسمبر الماضي بموجب اتفاق برعاية روسية- تركية ويستثني الاتفاق «داعش»، أي أنه يتيح توجيه ضربات له. وتقول موسكو إنه يستثني أيضاً جبهة «فتح الشام» المصنّفة إرهابية (النصرة التابعة للقاعدة سابقاً). لكن معارضي الأسد يؤكدون أن قواته تقصف مناطق لا وجود فيها ل «فتح الشام» التي خاضت مؤخراً مواجهاتٍ ضد فصائل المعارضة المقاتِلة.