توقفت كثيرًا عند هذا البيت لغازي القصيبي: أيها الناس! هل رأيتم شبابي؟ كان أحلى مما تظن الظنونُ في كتابه «الوزير المرافق» يقول القصيبي «مهمة الوزير المرافق في العادة جزء ثقيل من واجبات الوزير الرسمية، وكثيرًا ما يحاول الوزراء التملص منها، ما لم يكن رئيس الدولة الذي يقوم بالزيارة شخصية عالمية مرموقة، وعندها تنعكس الآية فيحرص كل وزير على أن يكون هو الوزير المرافق». ومن طريف قوله – رحمه الله – أن الأمير ماجد بن عبد العزيز – رحمه الله – قال ممازحاً: لا بد لمرافقة ميتران من وزير طوله «متران». وأنه أثناء زيارة الرئيس الفرنسي الذي وصل الطائف عام 1981 م، سأله عن سبب اختياره اسم «النحلة والمهندس» عنوانا لكتابه – وهو في الاقتصاد والسياسة – فأجابه قائلًا: «لقد أردت أن أشير إلى قدرة الإنسان على أن يصوغ مصيره بنفسه، إن النحلة تبني بيوتًا بديعة ولكنها تبنيها بدافع من الغريزة وحدها، ولهذا تجيء بيوت النحل متشابهة بدون خيال، أما المهندس فيستطيع أن يبني بيوتًا مختلفة ويبدع في البناء، أريد أن أقول إن الإنسان مهندس وليس نحلة». ويذكر أنه ودَّ استدراج ميتران إلى الكلام بصراحة أكثر، فقال له: «ولكن ألا ترى يا فخامة الرئيس أن كثيرًا من المجتمعات الاشتراكية أصبحت شبيهة ببيوت النحل، إنها تبنى على الطراز نفسه وتدار بالعقلية نفسها؟»، فانطلق ميتران يدافع عن الماركسية بحرارة: «هذه ليست مجتمعات ماركسية، إنها مجتمعات سلطوية تدعي الماركسية، إن المجتمع الماركسي لم يوجد بعد، كل نظريات ماركس شُوهت وحُرفت، غيّرها لينين وتروتسكي وستالين وماوتسي تونج وكثيرون غيرهم، إن الماركسية الحقة لم تنل – بعد – أي نصيب من التطبيق». في حديثه عن قمة فاس في نوفمبر 1981 م يذكر القصيبي أن عبدالحليم خدام – رئيس الوفد السوري – تحدث بانفعاله المعتاد: إن سوريا لا ترى أنه من المناسب الحديث عن السلام إلا بعد تحقيق التوازن الاستراتيجي، وأوضح أن المقصود بالتوازن الاستراتيجي: تسليح الجيش السوري تسليحًا كثيفًا يمكنه من مواجهة إسرائيل، ودعا الأمة العربية إلى أن تتحمل واجباتها لتحقيق هذا التوازن، وأضاف أنه ما لم يتحقق هذا التوازن فإن أي صيغة للسلام ستكون بالضرورة في صالح إسرائيل…»، ويضيف القصيبي معلقًا أن الأمة العربية التي يعنيها خدام بطبيعة الحال هي الدول البترولية. ويضيف القصيبي: أخبرنا السيد أحمد عبدالوهاب أن الملك فهد – رحمه الله – ترك للوفد – كان يضم الأمير سعود الفيصل، وأحمد زكي يماني، ومحمد أبا الخيل، وغازي القصيبي – مهمة اختيار العضوين اللذين سيرافقانه في حضور الجلسات، فأجمعوا فورًا على حضور الأمير سعود الفيصل كل الجلسات بصفته وزير الخارجية، وأن يحضر الباقون – أحمد زكي يماني، محمد أبا الخيل، غازي القصيبي – بحسب الأقدمية، وأنه عندما جاء دوره ذهب وهو يردد أغنية أم كلثوم «هذه ليلتي»! ما تزال كلمات «غازي» حيَّة، فلم يكن سواه أقدر على الاحتفاء بجسر الملك فهد: ضربٌ من العشق.. لا دربٌ من الحجَرِ ** هذا الذي طار بالواحات للجُزُرِ ساق الخيام إلى الشطآن.. فانزلقتْ ** عبر المياهِ شراعاً أبيضَ الخَفَرِ ماذا أرى؟ زورقاً في اليم مندفعاً؟ ** أم أنّه جملٌ ما ملَّ من سَفَر؟ وهذه أغنياتُ الغوص في أذُني؟ ** أم الحداة شَدوا بالشعر في السَحَرِ؟ واستيقظتْ نخلةٌ وسنى.. توشوشني ** (من طوقَّ النخلَ بالأصدافِ والدَرَرِ؟) نسيتُ أين أنا.. إن الرياضَ هُنا؟ ** مع المنامة مشغولان بالسَمَرِ وهذه جدةٌ جاءت بأنجمها؟ ** أم المحرّق جاءتنا مع القمرِ؟ أم أنّها مسقط السمراء زائرتي؟ ** أم أنّها الدوحة الخضراءُ في قطرِ؟ أم الكويتُ التي حيّتْ فهمتُ بها؟ ** أم أنها العين؟ كم في العين من حور بدوٌّ وبحارةٌ.. ما الفرق بينهما ** والبّر والبحرُ ينسابان من مضرِ؟ خليجٌ! إن حبال الله تربطنا ** فهل يقربنا خيط من البَشَرِ؟ يقول القصيبي «خرجت سوريا من أزمة الغزو الإسرائيلي للبنان وهي في وضع لا تحسد عليه، وخسرت باعترافها حوالي تسعين طائرة وأربعمائة دبابة وأربعة آلاف جندي، وكل صواريخها في البقاع، ولم تستطع مع ذلك إثبات أي فعالية في وقف الغزو الإسرائيلي، وبدت أمام العالم كله كما لو تخلت عن الفلسطينيين وتركتهم لقدرهم مع قوات الغزو الإسرائيلية…». وقفة: ماذا لو رأى غازي أن كلَّ ذلك التسليح الكثيف الذي طالب به خَدام قد تم توجيهه إلى السوريين قتلًا وتدميرًا وتشريدًا؟!