الساعة الثامنة صباحاً أكتب من أسفل النافذة وتتساقط عليّ خيوط الشتاء معلنة قرب هذا الفصل الذي يترقبه الجميع بلهفة مستعدين لاستقباله واحتوائه. وهذه الحياة ليست إلا أربعة فصول تتكرر كل عام في مواعيد ثابتة، وتحمل نفس الصفات، فتبدأ أوراق الخريف المتساقطة بتوديع لهيب الصيف، فيأتي الشتاء ليحمل أوراق الخريف ويكسيها الثوب الأبيض الثلجي، وأخيراً يشرق الربيع ليكمل دائرة الحياة بجمال ألوانه ليكون نقطة الإعادة لدائرة الحياة لتتكرر مجدداً بلا أي تغيير، فالمتغير الوحيد هو أنت! وتحديداً ذاك الذي يسكن أوسط دماغك.. عقلك الذي ميزك الله به، هذا العقل الذي أشك بوجوده في أدمغة بعض البشر من بعض التصرفات والقناعات التي لا تدل إلا على تعطل عقولهم. أقصد بكلماتي العقول التي لا تقبل الاختلاف وتستحقر كل شخص يختلف عنها سواء اختلافاً دينياً، اجتماعياً، مادّياً أو خلقياً كاللون تماماً، اختلاف اللون الذي أربك العالم ورفع نفوس وأذل نفوساً أخرى.. اختلاف اللون الذي تسبب في قتل كثير ممن يتساءل عنهم اللسان بأي ذنب قُتِل؟ وما هو في النهاية إلا لون! زيادة أو نقصان في صبغة الميلانين في الجلد! وصلنا لهذا الزمن التقني والمتطور ونحن إلى هذه الدقيقة نبغض وننكر كل من اختلف عنا لدرجة أن أحد الفنادق الأوروبية ذات الصنابير التلقائية، لا تسكب المياه إذا لامسها شخص أسود اللون، بينما يضع ذاك الأبيض يديه تحت ذات الصنبور لينهمر الماء مُرحِّباً به! سحقاً لهذه العقول التي لوّثت المياه بسُمّها الخبيث، لن أنسى هذه التجربة الاجتماعية التي قام بتصويرها شخص أوروبي ووثقها للتأريخ صوتاً وصورة ليدرجها كنقطة جديدة تحت عنوان العنصرية واحفظ يا زمن. وتتكرر دائرة الفصول الأربعة تحمل بين طياتها في كل سنة مزيداً من الدمار والدموع ارتفاعاً في عداد الشهداء، ارتفاعاً في عداد الجرائم، ارتفاعاً في عداد اللامبالاة. فقد أصبح لهيب الحرب يفوق لهيب الصيف، وتتساقط الجثث بدلاً من أوراق الخريف، وينقلب اللون الأبيض إلى دماء حمراء في الشتاء. وأخيراً.. أغلقت النافذة، فلن أرى أزهاراً في الربيع.