كتبنا في مجالات الثقافة والأدب ومؤسساتها، ولوائحها وانتخاباتها، وسنعود لها قريباً إن شاء الله، فهي تستحق المتابعة، وموضوعنا اليوم لا يقل شأناً ولا يبتعد كثيراً عنهما، لثقتنا بأن للجامعات دوراً تنويرياً مهمّاً في حياة المجتمعات، فهي التي تصنع الرؤى التنموية والثقافية التي تصب في مصلحة الأوطان، بل تستطيع تشكيل الرأي العام بمناهجها المختلفة، ولها الدور القيادي في التنوير، بما تحمله على عاتقها من مهام تعليم وتثقيف المجتمع دينياً وأدبياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وتسعى جاهدة لفتح الأبواب أمام طلابها في الدراسات العليا للبحث في المجالات التخصصية المتاحة كالعلوم الشرعية والتطبيقية والدراسات الأدبية والتاريخية، وتتعهد بتوفير البيئة الملائمة للدارسين والباحثين، وتتولى الإشراف على الرسائل الجامعية ومناقشتها ومنح أصحابها الدرجات العلمية المستحقة. نتوقع أن تتنافس الجامعات السعودية على تقديم الوجه الثقافي والإبداعي المحلي للعالم العربي والأجنبي، لتغيير الصورة النمطية المعروفة عنه عند بعض الشعوب، وبعض جامعاتنا لديها القدرة على التفوق ووضع بصمة خاصة تميزها عن غيرها في مجالها، ما يجعل الطلاب يتسابقون إلى التسجيل فيها ويحرصون على تلقي دراستهم في قاعاتها، ومواصلتهم لنيل الشهادات العليا في كلياتها، كل ذلك جميل ورائع ولا خوف على أبنائنا في هذه الجامعة أو تلك لثقتنا بما توليه الجامعات من اهتمام بطلابها واختيار هيئة التدريس المناسبة لتحقيق الطموحات والتطلعات. في الجامعات السعودية وخصوصاً ما يتعلق بالدراسات العليا في الأقسام الأدبية وجدت تبايناً واضحاً في اختيار مواضيع الدراسة الأدبية، فمعظم هذه الجامعات لا تقبل موضوع الدراسة في نتاج الأدباء الأحياء إلا في حدود ضيقة جداً، بمعنى: (يجب أن يموت الأديب لتقوم الجامعة بدراسته)، على اعتبار أن تجارب الأحياء في تطور مستمر وقد ينجزون مشاريع أخرى تختلف عن المشاريع الأدبية التي سبق دراستها ونشرها، وربما هناك ضغوط خارجة هم الإرادة تسبّبُ حرجاً للأكاديميين والدارسين، ففي بعض الجامعات يجتهد طلاب الدراسات العليا وطالباتها في الحصول على النتاج الأدبي لأدباء ما زالوا يعيشون بيننا لدراسة تجاربهم الأدبية ضمن برامج الماجستير والدكتوراة حسب طلب أساتذتهم، وفيما بعد تقديم خطة البحث يفاجأ الطلاب بأن مجالس الأقسام الأدبية للدراسات العليا في تلك الجامعات لم يوافقوا على دراسة تجارب الأدباء الأحياء بحجج ضعيفة ومبررات غير مقنعة، فإذا كان هناك بعض الحق ينحصر في جزئية بسيطة تتعلق بتطور التجربة الأدبية عند الأحياء، فإن ذلك لا يمنع أن تعطى التجارب الناضجة بعض الاهتمام، وتتم دراستها مقيدة بزمن وتاريخ معينين، فما المانع أن تضع الجامعات ضوابط محددة كالعمر لمن تجاوز الستين عاماً مثلاً؟ أو لمن طبع تجربته الإبداعية في (مجموعة الأعمال الكاملة)؟ وللجامعة الحق أن تضع ضوابط أخرى لكسر الروتين العقيم، ولتحقق بصمتها الخاصة، وتقدم دراسات تطبيقية في تجارب الأدباء الأحياء، وإثراء المشهد الأدبي والمكتبة العربية بالأبحاث والدراسات النقدية في الرسائل الجامعية، وما ذلك عليهم بعزيز.