حياة المرء انعكاسٌ لعاداته، وعاداته نتيجة حتميّة لتفكيره، فإن تغيّرت أنماط تفكيره للأفضل فسوف تتغير حياته بعون الله وإرادته، فإنَّ المؤمن يستطيع أن يجعل كلّ خطوة من خطواته وكل ثانية من ثواني حياته ثواباً وأجراً، فمدار العمل بين العادة الحَسَنة والعبادة المأجورة هي: «النِيَّة» يقول صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه). هذا الحديث أصل عظيم من أصول الدين، وبه صَدَّرَ الإمام البخاري رحمه الله كتابه الصحيح وأقامه مقام الخُطبة، مشيرًا إلى أن كلَّ عمل ليس فيه نِيَّة صالحة يراد بها وجه الله فهو باطل، وقال الإمام الشافعي رحمه الله عن هذا الحديث إنه «ثلث العلم ويدخل في سبعين بابا من الفقه»، وقال الإمام أحمد رحمه الله: «أصل الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث عمر الأعمال بالنيات، وحديث عائشة من أحدث في أمرنا هذا، وحديث النعمان بن بشير الحلال بيِّن والحرام بيِّن». والنّيّة كما عرّفها القرافي -رحمه الله- بمعناها العامّ: «قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله»، وقد يقال هي «قصد الطّاعة والتّقرّبُ إلى الله تعالى في إيجاد الفعل أو الكفِّ عنه». ومن جمال ديننا الحنيف أن المرء يستطيع أن يُحوّل أعماله المباحة إلى عبادات يؤجر عليها تنفعه في دنياه وآخرته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «المباح بالنية الحسنة يكون خيرا، وبالنية السيئة يكون شرا، ولا يكون فعل اختياري إلا بإرادة»، قال النووي -رحمه الله- في تعليقه على حديث (وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في في امرأتك)، قال: «إذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح، فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة، ومع هذا فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى حصل له الأجر بذلك». إنَّ في شريعتنا الغراء مجالاً رحباً وخصيباً في استثمار العادات الحسنة لترتقي بصاحبها في أعالي مراتب الرضا من الله، والتدرج في منازل الصالحين المحسنين؛ فعندما تقترن العادة الحسنة بنية صالحة خالصة فإنها تتحول مباشرة إلى عبادة تزيد من أجر صاحبها في الحسنات وتحط عن كاهله السيئات، ولهذا جاء عن معاذ بن جبل رضي الله عنه «إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي»، وأوصى الإمام أحمد -رحمه الله- ابنه عبدالله قائلاً «يَا بُني انو الخَير فإِنك لا تزالُ بخير ما نَوَيْتَ الخَير». وأنا هنا أدعو نفسي وأدعو إخوتي وأخواتي لتكون معاملاتنا في مجريات حياتنا اليومية مع أزواجنا وأولادنا، بل والمجتمع من حولنا،؛ لتكون «عادات حسنة» وقد تحوَّلت إلى عبادات نؤجر عليها، فنكسب بها خير الدنيا بسعادتنا معهم، وخير الآخرة بحصولنا على مرضات الله.