في عالم العولمة ودنيا السرعة والفجوة بين جيل الآباء والأبناء وانتظار الآباء المفاجآت من هذا الجيل آن الأوان أن نستبصر في خصائص هذا الجيل فالمقدمات التي هو عليها لها بلا شك نتائج من الأثرة واللامبالاة والرأسمالية الاجتماعية والثقافية والمادية والالتصاق بعوالم افتراضية والاحتراق بالخطايا لسهولتها وقرب تناولها والاختراق من قبل جهات فكرية عدة والخضوع لصياغة الإدراك وتنميط الذوق والاتجار بالقيم وحمى الاستهلاك وتتبع الموضة فلا نطالب الشباب بأكثر مما يطيقون ولا ننتظر منهم ما لا يستطيعون والخبر غير السار أن الحلول غير جاهزة في هذا المجال لسببين: الأول: أن كل حالة لها ما يناسبها من درس وبحث. الثاني: أن ما بين أيدينا من دراسات ومباحث كلها تعود للمجتمع الصناعي ما قبل التكنولوجي، فعلماء النفس بعد الثورة الصناعية وإدخال كل ظاهرة لمعمل التجربة قاموا بتفكيك النفس البشرية لوحدات وأخذوا أصغر وحدة لدراستها كما يُفعل مع الظواهر الفيزيائية مما يتناسب مع ذلك العصر وأما عصر العولمة فلم تتبلور الدراسات النفسية كعهد جديد يتناول الإنسان بحسب المؤثرات الجديدة بعدما تحوّل الكون إلى غرفة واحدة وليس ذلك إنكار لبعض الجهود الحديثة ولكن مع الأسف فأغلب الدراسات تتناول أثر (البيئة والوراثة) مع تهميش المؤثرات الجديدة للعولمة بحمولتها التواصلية والثقافية من تبادل السلع والمنظومات الفكرية والنظريات السياسية والمنتجات التربوية ومواقع التواصل، فنحن المخضرمون (ما بين المجتمع الصناعي والمجتمع العولمي) على سبيل المثال والتبسيط (نتفاهم) مع الأب (الصناعي: البيئة/ الوراثة) و (نتفاوض) مع الابن (العولمي) فالابن لا نتفاهم معه ولن يحاول إفهامنا ولا يريد هو أن نفهمه لأنه يائس من ذلك ولأنه يشك في هذه المحاولة ولا يريد إلا التفاوض ثم يعود كل لخندقه! فهو يقول: لا تفهمني فقط فاوضني ! ويقول: لا تحاول أن تكون صديقي فقط أعطني (المال والحريّة) وشعاره (أعطني حريتي أطلق يداي) نقول هذا لأن بعض الآباء يكرر ضجراً إنني أحاول أن أفهم ابني ولا أستطيع مع أن الأبناء بحاجة لأن نفهمهم وكذلك أحاول أن أكون صديقه ولكنه يبتعد عني فنقول لهذا الأب هذا كان في السابق يريد الابن من الجميع أن يفهموه ويحب أن يصادقه والده ولكن تغير كل شيء في عصر العولمة والعوالم الافتراضية وعليه فلا بد من أن يكون الأب قدوة ليرى فيه الأبن ثلاث خصال الحضن الدافئ الآمن الذي يلملم الجراح والثانية الذراع القوية التي تحمي فتكون نفسية الأب قوية وقلبه كبيرا يتحمل الجميع ومشكلات الجميع الثالثة اكتساب ذوقيات ومرونة العصر كي يقتنع الابن ويبحث هو عن القرب من ابيه ويحاول أن يفهم أباه كي يلبي له ما يسعده وتنفتح بين الأب وابنه آفاق من الحوار والاستشارات المتبادلة. ومن الأخطاء محاولة الإصلاح بين الأب وابنه بقُبلة رأس وفيلم هندي تتسابق فيه الدموع فأغلب الحالات تنتكس، فالابن عاش ردحاً من التهميش العاطفي والنفسي والوجودي ونظن أننا بتحريك العواطف الكامنة تحت هذا الركام سنحل الإشكال فينصرف كل منهما والقلوب والعقول فيها ما فيها، فالابن يعلم أن الأب مطالب بتربيته والأب مقصر في ذلك والتربية ممارسة خطيرة فهي تتناول النفس البشرية (قد أفلح من زَكَّاهَا) والفلاح الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب وهو معنى عظيم ورسالة حياة ولكن الابن لا يعرف هذه التفاصيل ولا يدري ما المطلوب بالضبط من الأب ولذلك هو لم يفهم مشكلته فكيف نطالبه بأن يفهمنا إياها وكيف نقف بين الأب والابن في مشكلة جزئية بدون أن ننفض ركام التاريخ المتصدع بينهما؟ وهنا يأتي السؤال: ما الحل؟ والجواب: أن هذا مثال ولسنا بصدد تقديم الحلول ولكن نشير هنا إلى ضرورة الوقوف على أرضية صلبه لفهم مرجعية الأب النفسية ومرجعية الابن كذلك فالفجوة بين جيل الآباء والأبناء لا تخفى على ذي عينين وبعد ذلك يأتي الحل الذي يتناسب مع كل حالة على حدة ونُذكِّر بأنه ومع ذلك فالحلول متقاربة ولكنها ليست بالجاهزية التي يعتقدها كثيرون، وأما الحلول التي تناسب الجميع وفي كل زمن فقد ولى زمانها زمان (الحكم وأمثال العرب). وتذكر أنه لا يمكن بحال بناء الفرد بناءً متوازناً طبيعياً صحياً إلا في وسط متوازن وطبيعي وصحي. وضع في حسبانك أن التربية برمتها قد تدخل حيز الشك وتستنفد قواها في ملاحقة المتغيرات والتحولات وتفصم عرى الوجود فأين المدرسة والمُعلِّم والمنزل من مشكلات الشباب العولمي المتشابكة وعليه فالأنظار لا بد أن تتجه لمسارين: الأول: مسار التربية العولمية الثاني: مسار الإعداد لا أقول تربية بل الإعداد لجيل فقدان الهوية والسخرية بالرمز والعيش المزاجي في اللاوطن؟!