المفكرون هم أكثر الناس فاعلية في منظومة التكوين – دورة الكون – وأكثرهم تعرضاً لمكر وخطر بني البشر، حتى إن مضت الفكرة على مراحل الملاحظة والبرهان، فلن يكون من السهل قبولها خاصة تلك التي تتعارض مع المعتقدات حسب الفهم والتفسير الغيبي لا حسب الإثبات والقياس، وقد يأتي الوقت المناسب لأكتب رأيي حول نوعية الخطر الذي أعنيه وأسرد بعض أسماء أولئك الذين تم اتهامهم والحكم عليهم بالنفي أو القتل أو الكفر، حتى أن «أبا العلم الحديث» جاليليو جاليلي لم يحصل على براءته من الفاتيكان إلا في عام 2008 وهو الذي شبع موتاً قبل أكثر من ثلاثة قرون بعد أن اتهمته الكنيسة بالهرطقة والتعرّض للكتاب المقدّس وحكمت عليه بالسجن «لإرضاء خصومه» ثم خفف الحكم بالإقامة الجبرية المؤبدة في منزله ومنعِ بيع كتبه وتداول آرائه، على الرغم من محاولته نفي تهمة مخالفة الكتاب المقدّس بفكرته التي أراد أن يثبت فيها عدم مركزية الأرض وأنها تدور هي وكواكب أخرى حول الشمس، لم تكن الكنيسة وحدها هي التي تحارب الفكرة وتطور العلم خشية أن تهتز مكانتها الذهنية في عقول مريديها وتابعيها، لكنها المثال الحاضر في ذهني الآن لباقي الديانات الأخرى ومن يفتش في تراثنا نحن المسلمين بل وحاضره سيجد مثلك ذلك، أقصد تعارض الفكرة مع الموروث والخوف من فقد التبعية المطلقة التي تعد سبيلا لترسيخ معتقدات مجتمعية – ظنيّة – غير مثبتة لا تخلو من الأغراض السياسية إلى جانب مكاسبها الأخرى المختلفة، وقد يكون ذلك الخوف مقبولاً والادعاء بالتمام والاصطفاء عن سائر البشر والكهنوتية مشروعاً قياساً بتواضع أو تحريف مصادرهم الدينية، إلا إن ذلك في ديننا يعد مخالفة، كيف لا ونحن نؤمن بأننا لم نؤت من العلم إلا قليلا.