في نهاية المطاف تظهر الحقيقة كاملة حتى لو كانت متأخرة، مهما تم تجاهلها وتهميشها، أو استخدم العنف في إيقافها، مهما حاولوا إنكارها، لكن من هو الإنسان القادر على تبني هذه الحقيقة وتحمل مسؤولية إعلانها للبشرية أيا كانت العواقب؟ أتحدث عن شجاعة وثقة وقدرة على المواجهة، هذه طريقة دعاة العدل والمساواة في تخليد أسمائهم، كالمهاتما غاندي ومالكوم إكس وجابر بن حيان وجاليليو الذي قدم نظريات فيزيائية كثيرة وأثبت خطأ بعض النظريات التي كان يعتقد بصحتها كنظرية أرسطو عن الحركة، التي تقول إن الأرض هي مركز الكون والشمس وبقية الكواكب تدور حولها، وتدّعي النظرية أيضا أن القمر مسطح! كان جاليليو منكبا على صناعة منظاره الخاص للتأكد من صحة هذه النظرية، فوجد أن القمر كروي فيه مرتفعات ومنخفضات والمشتري تدور حوله مجموعة أقمار «سميت بالأقمار الجاليلية نسبة إليه» واكتشف أن الأرض كوكب صغير كروي من ضمن كواكب المجموعة الشمسية. بعدما رأت عينا جاليليو الحقيقة ألف كتابا وثق فيه اكتشافاته، ما جعل الناس يشكونه عند الكنسية لأنه قال قولا مخالفا لكتابهم المقدس. هنا حكم عليه بالنفي في منزله حتى مات فيه عام 1642. قصة جاليليو لم تنته، فبعد أكثر من 350 عاما من وفاته اعترفت الكنيسة عام 1983 بخطئها! وفي 2008 قام رجال الفاتيكان بمحاولة أخرى لتصحيح أخطائهم تجاه العالم جاليليو، حيث تم نصب تمثال له وسط الفاتيكان. وهكذا صعدت واستمرت نظرياته فطالت كل الصروح العلمية في العالم حتى يومنا هذا، وكل يوم عندما نرى التلسكوب فإننا نتذكر العالم الذي عاش وحيدا يبحث ويرى ويكتب الواقع بلا خوف من تهديدات أعدائه. مهما طال الزمن فلن تهمل الحضارة أولئك الباحثين عن العلم، الصامدين في وجه التحطيم والتهميش، الأشخاص الذين تبنوا الحقيقة وساهموا في إظهارها للعالم. المهم أن نسأل أنفسنا هل نحن من الفئة التي تحطم الآخرين أم أننا من فئة قليلة عقولها تواقة للمستقبل وللبحث عن الجديد والمفيد للإنسانية؟