الجمال كلمة ما إن ننطق بها أو تقع عيوننا عليها حتى تجتاح أذهاننا معان كثيرة وصور لأشياء شتى، وهو سر ّمن أسرار الحياة، والإحساسُ به وتأمُله من أجَلّ النّعم وأكرمِها، فهو طاقة إيجابية أودعها الخالق سبحانه في كل شيء، ولكي تنتقل هذه الطاقة إلى ذواتنا وتؤدي وظيفتها لا بد أن يكون الشعور بالسلام كامنا فينا. والطبيعة هي محضن الجمال الأول، لذا فهو يتناسل منها بحجم تنوّعها وتلوّنها، فإنْ كان مصدره الوجدان فهو جمال معنوي بالغ الأثر، وأما إنْ أدركناه بحواسنا فهو حسيّ، نراه في الصور والأصوات التي تبعث في الّنفوس بهجة وتملؤها بالتفاؤل، فترى الغد أفضل، ويزداد طموحها، وتسمو أهدافها، ليس ذلك فحسب بل إنّه ليطرد الكآبة، ويُذهب الحزن، ويريح في علاج الأبدان ويزيل أسقام النفوس. إنّ العقل هو المسؤول عن تحليل ما يرد إليه من صور وأصوات ومعالجتها ومن ثم تصنيفها وتخزينها، أمّا الوجدان فهو من يضخ الروح فيها ويحيلها طاقة تؤثر في شعور الإنسان وانفعالاته وتوجه سلوكه. فلو وقفت أمام البحر وأحسست بطيب الهواء، وشدّك الأفقُ بألوانه، وتسرب الظّل من ثقوب النّور، وتماهى الأزرق في ذاك الفراغ اللامتناهي كطيوف ملائكية، ثمّ تناهى إلى سمعك صوتُ رعشة أجنحة طيرٍ يغتسل، وضحكاتُ الأمواج وهي تتسابق لبلوغ الشاطئ، فإنّك حتماً لم تكن لتدرك الجمال في هذه الصور لو لم يكن السلام في نفسك حاضراً لاستقبال تلك الطاقة النورانية، ولو لم تمنحها مدى لكي تحتضنها. ومِن جميل ما جاء في وصف تأثير الصوت الجميل في النّفس قول بشار بن برد: والأُذْنُ تَعْشَقُ قبل العَين أَحْيانا يا قومِ أذْنِي لِبْعضِ الحيِّ عاشقة إنّ الجمال مدعاة لتهذيب النّفس، ومن أعظم ملهمات العقل، ومحفز للإنسان على الإبداع والخلق.