بدأت فصائل سوريةٌ معارِضةٌ هجوماً واسعاً أمس لفكِّ الحصار عن شرق حلب، فيما رفض الرئيس الروسي طلباً لاستئناف الضربات الجوية في المدينة. ووفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية؛ سيطرت الفصائل، المنفِّذة لأحدث هجومٍ ضد قوات النظام في حلب، على أجزاء كبيرة من «ضاحية الأسد» الواقعة جنوب غربي المدينة؛ بعد معارك عنيفة. ونقلت الوكالة نفسها عن «أبو يوسف المهاجر»، وهو القائد الميداني والمتحدث العسكري باسم حركة «أحرار الشام» الإسلامية، قوله إن فصائل عدَّة تعلن بدء معركة «فك الحصار عن حلب» التي «ستنهي احتلال النظام للأحياء الغربية وتفكّ الحصار عن أهلنا المحاصَرين في الأحياء الشرقية». والمدينة، التي تعد مركز محافظةٍ شماليةٍ تحمل الاسم نفسه، مقسَّمة إلى شطرٍ غربي تحت سيطرة قوات بشار الأسد وآخر شرقي موالٍ للمعارضة ويتعرض للحصار على يد النظام. وذكرت «الفرنسية» أن «أحرار الشام» الإسلامية تعدُّ الفصيل الأبرز في الهجوم الذي بدأ على المواقع العسكرية في الشطر الغربي، مع حركاتٍ أخرى مثل «نور الدين زنكي» و»جيش الإسلام» و»جيش المجاهدين». وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان؛ يشارك في هذه المعركة نحو 1500 مقاتل معارِض قدِموا من محافظة إدلب (شمال غرب) المجاورة ومن ريف حلب. وجاء في إفادةٍ للمرصد «المعارك تدور منذ ساعات على مسافةٍ تمتد نحو 15 كيلومتراً من حي جمعية الزهراء في أطراف حلب الغربية مروراً بضاحية الأسد والبحوث العلمية وصولاً إلى الأطراف الجنوبية للمدينة». وتفرض قوات الأسد منذ 3 أشهر حصاراً على الأحياء الشرقية للمدينة التي تضم أكثر من 250 ألف شخص يعيشون ظروفاً إنسانيةً صعبة. ولم تتمكن المنظمات الدولية من إدخال أي مساعدات إغاثية أو غذائية إلى هذه الأحياء منذ شهر يوليو الماضي. واعتبر عضو المكتب السياسي في حركة «نور الدين زنكي»، ياسر اليوسف، أن «كسر الحصار آتٍ ومحقَّقٌ لا محالة»، مشدِّداً في مكالمة هاتفية مع الوكالة الفرنسية «سنحمي المدنيين والمدارس والمشافي من اعتداءات الروس وسنوصِل الغذاء والدواء إلى أهلنا» في الأحياء الشرقية. وبدأ جيش الأسد في ال 22 من سبتمبر الماضي هجوماً للسيطرة على هذه الأحياء بدعم من غارات روسية وأخرى سورية كثيفة، ما أدى إلى مقتل مئات المدنيين وأحدث دماراً كبيراً لم تسلم منه المرافق الطبية. وبعد ساعات على بدء هجومها أمس؛ تقدمت الفصائل على حساب قوات النظام في ضاحية الأسد. وأفاد مرصد حقوق الإنسان، في بيانٍ له، ب «تمكُّن الفصائل من السيطرة على معظم منطقة الضاحية باستثناء بعض الأبنية المحيطة بمبنى الأكاديمية العسكرية وكتل أبنية أخرى على تخومها الشرقيةوالجنوبية». لكن الفصائل أعلنت سيطرتها بالكامل على الضاحية. واعترف التليفزيون الرسمي للنظام بوقوع الهجوم على محاور عدَّة. وذكر مراسل ل «الفرنسية» أن اشتباكاتٍ تجري إثر مهاجمة مقاتلين معارضين مواقع لقوات النظام في محاولةٍ لتشتيت قواها على أكثر من جبهة. وأُطلِقَت التكبيرات من مساجد الأحياء الشرقية، في وقتٍ عمِد بعض السكان إلى حرق إطارات السيارات صباحاً لحجب رؤية الطيران الحربي، قبل أن يتساقط المطر بغزارة. ولاحظ عماد نعناعي (40 عاماً) من حي الكلاسة (شرق) تضاؤل عدد غارات النظام بسبب الجو، قائلاً «الحمد لله بدأت الأمطار في الهطول بعد بدء المعركة». ونقل مراسلٌ ل «الفرنسية» على أطراف المدينة عن مقاتلٍ يشارك في الهجوم في اتجاه الأحياء الغربية قوله «فرَض الطقس حظراً ربانياً لمواجهة طيران النظام والروس». في المقابل؛ رأى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن من غير المناسب استئناف الغارات الجوية في حلب. وصدر تصريحه بعدما أعلن الجيش في بلاده تقدمه بطلبٍ إلى الرئاسة ل «استئناف الغارات على شرق حلب». وصرَّح الجنرال في هيئة الأركان الروسية، سيرغي رودسكوي، قائلاً «طلبنا من القائد الأعلى للقوات المسلحة استئناف الضربات الجوية». وسارع بوتين إلى رفض الطلب. وذكر المتحدث باسم الكرملين (الرئاسة)، ديمتري بيسكوف، أن «الرئيس لا يرى من المناسب حالياً استئناف الضربات الجوية»، مستدركاً «في حال دعت الحاجة؛ فإن روسيا تحتفظ بحقها في استخدام كل الوسائل المتاحة لها» لدعم قوات الأسد. واعتبر المتحدث أن من «الضروري تمديد الهدنة الإنسانية في حلب»، مبيِّناً «الرئيس يرى ذلك (…) للسماح بإجلاء الجرحى وانسحاب المقاتلين الراغبين في المغادرة؛ وأيضاً للسماح لشركائنا الأمريكيين بالوفاء بوعودهم وواجباتهم فيما يتعلق بالفصل بين ما يسمى بالمعارضة المعتدلة والمجموعات الإرهابية». وكانت موسكو أوقفت منذ 10 أيام شن غاراتٍ على شرق المدينة في إطار «هدنة» أعلنتها من جانب واحد. لكن الممرات الثمانية التي حددها الروسي لإجلاء مدنيين وجرحى ومقاتلين بقِيَت شبه شاغرة. وتختلف واشنطنوموسكو حول تعريف «المجموعات الإرهابية». وفي حين يطلق المجتمع الدولي هذا الوصفَ على تنظيمي «داعش» و»النصرة (فتح الشام حالياً)»؛ يعد بشار الأسد كل الفصائل المسلحة إرهابيةً. في سياقٍ متصل؛ أفاد مسؤولون أمريكيون أمس، باقتراب طائرة مقاتلة روسية إلى مسافة خطيرة من طائرة حربية أمريكية فوق شرق سوريا في ال 17 من أكتوبر الجاري. ولاحظ المسؤولون ازدياد الحوادث المشابهة في الأسابيع الستة الأخيرة «إذ باتت تقع بوتيرة مرة كل 10 أيام تقريباً». إلى ذلك؛ رفضت موسكو، أمس الأول، نتائج لجنة تحقيق أممية أشارت إلى شن جيش الأسد 3 هجمات كيميائية على الأقل. لكن السفير الروسي لدى الأممالمتحدة، فيتالي تشوركين، اعتبر النتائج «غير مقنعة» ولا توجب فرض عقوبات. وفي أعقاب اجتماعٍ مغلقٍ لمجلس الأمن الدولي؛ أبلغ تشوركين الصحفيين «نعتقد أنه لا وجود لدليل يوجب اتخاذ إجراء عقابي». وأعلن خبراء لجنة التحقيق، التي تسمَّى «الآلية المشتركة للتحقيق»، أن جيش الأسد شن 3 هجمات كيميائية على بلداتٍ في عامي 2014 و2015. وتلك هي المرة الأولى التي توجِّه فيها لجنة تحقيق دولية إصبع الاتهام مباشرةً إلى النظام بعد سنوات نفيٍ من دمشق. لكن تشوركين أبلغ مجلس الأمن بقوله «النتائج ليست مثبتة بشكلٍ كافٍ لفرض عقوبات» و»الاستنتاجات في معظم الحالات (…) ليست مثبتة بأدلة كافية، وقبل أي شيء بدليل مادي، وهي مليئة بالتناقضات، وبالتالي غير مقنعة»، وفقاً لنص تصريحاته خلال الاجتماع. وزاد تشوركين «الاستنتاجات ليست نهائية، وغير ملزمة قانونياً، ولا يمكن أن تكون استنتاجات اتهامية لاتخاذ قرارات قانونية». يأتي ذلك في وقتٍ تدعو فيه فرنسا وبريطانيا إلى فرض عقوبات على الأسد. وشدد السفير الفرنسي لدى الأممالمتحدة، فرنسوا دولاتر «يجب معاقبة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية. ليس هناك وسيلة أخرى». وأكد نظيره البريطاني، ماثيو رايكروفت، بعد الاجتماع نفسه «يجب أن تكون هناك مساءلة لكل شخص متورط في أي استخدام للأسلحة الكيميائية في سوريا، وفي أي مكان آخر بالتأكيد». وبحسب تقرير لجنة التحقيق المسلَّم إلى مجلس الأمن؛ فإن مروحيات تابعة لحكومة دمشق حلَّقت من قاعدتين جويتين حكوميتين لإلقاء براميل متفجرة تحمل غاز الكلور على بلدات قميناس وتلمنس وسرمين في محافظة إدلب الموالية للمعارضة. لكن الخبراء لم يجمعوا أدلة كافية لتحديد المسؤولية عن هجومين كيميائيين آخرين استهدفا بنش في المحافظة نفسها في 24 مارس 2015 وكفر زيتا في محافظة حماه (وسط) في 18 أبريل 2014، بحسب إفادةٍ للجنة. وكانت تقارير سابقة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية ذكرت أن غازات سامة استُخدِمَت في النزاع السوري. لكنها لم تشر إلى الجهة التي لجأت إلى ذلك. فيما حددت «الآلية المشتركة للتحقيق» جهاتٍ بعينها، مشيرةً إلى السريّتين 253 و255 التابعتين لكتيبة المروحيات ال 63 في جيش الأسد، واللتين أقلعتا من قاعدتي حماة وحميميم الجويتين، فضلاً عن السرية 628 المتمركزة في حميميم. وأوضحت اللجنة أن تنظيم «داعش» الإرهابي استخدم أيضاً غاز الخردل في أغسطس 2015. وصرحت رئيسة اللجنة، فيرجينيا غامبا، للصحفيين «ندعم بقوة التقرير والنتائج الواردة فيه». في الملف نفسه؛ رفضت موسكو اقتراحاً أمريكياً بتمديد مهمة اللجنة، التي تنتهي الإثنين، لسنةٍ واحدة، معتبرةً أنه يجب «إجراء مزيدٍ من النقاشات حول عمل الخبراء في المستقبل».