فُطِر الإنسان على حب الوطن، الخيمة وارفة الظلال التي ينعم في ظلها، وقد أحس بالطمأنينة والأمان، ويزداد الإنسان تعلقاً بوطنه كلما بُعد عنه واشتاقت نفسه إلى رؤيته ولثم ثراه بعد اغتراب وطول سفر. ذكرت بلادي فاستَهَلّت مدامعي ** شوقي إلى عهد الصبا المتقادمِ حَننتُ إلى أرضٍ بها اخضرّ شاربي ** وقُطّع عني قبل عقدِ التمائمِ اجتمعت النخبة من المثقفين والإعلاميين في زيارتهم التاريخية للنرويج في اليوم الذي احتفلت فيه سفارتنا في أوسلو باليوم الوطني لبلادنا الغالية، شعور لا يمكن وصفه، وأنت تحاول ترجمة أحاسيسك إلى حب حقيقي، وأنت بعيد عن وطنك، وقد اختلطت في نفسك المشاعر والأحاسيس حنيناً وشوقاً إلى أرض فيها أهلك وحبك وأملك. لا يكفي للتعبير عن تلك المشاعر المختلطة باللهفة والحنين كلمات القصائد ولا مقالات الوجدان التي تعبر عن الحب والوفاء والانتماء إلى الوطن الذي نتحمس لحبه ونهيم في عشقه، عشق ليس فيه رياء ولا تزلف. أحسسنا عند دخولنا قاعة الفندق الذي احتفلت فيه السفارة السعودية بأوسلو بيوم الوطن كأننا نحتضن الوطن بما تهيأ فيه المكان من صور وأعلام وأزياء وطنية، كان الضيوف رجالاً ونساءً يرتدونها، وكذلك الخيمة والقهوة العربية، وأغاني الحب للوطن التي ألهبت حماسنا، وأثارت فينا الحنين، متمثلين قول الشاعر إقبال: أشواقُنا نحو الحجاز تطلعت ** كحنينِ مغتربٍ إلى الأوطانِ النرويجيون مثلهم مثل بقية الأوروبيين تجذبهم البيئة العربية، والملابس والديكورات الشرقية، وكما أحسسنا ولمسنا، كان الجميع في ذاك اليوم مبتهجاً كما لو أنهم لم يبتهجوا من قبل، بزهو وفرح وحضور مكثف. أشار سعادة السفير الأستاذ عصام الثقفي في كلمته بالحفل إلى العهد الجديد الذي يشرق برؤيته الطموحة في مستقبل بلادنا، وإلى ما نكنه لكل شعوب العالم من حب ومودة وسلام، وكأنه أراد بكلمته تلك الرد على الحملة التي يشنها بعضهم في الغرب ضد المملكة، وقد علمنا أن تأثيرات ضغوط اللوبي الصفوي أخذت تؤثر على كثير من الروابط والنقابات الإعلامية والاجتماعية والسياسية في أوسلو بحملاته المغرضة والمنظمة ضد المملكة. في ذاك اليوم في حفل السفارة باليوم الوطني كان الرد قوياً ومؤثراً، وعلى طبيعته وسجية المشاركين فيه. لم نكن في حاجة إلى مَنْ يذكِّرنا بالتعبير بصدق عما نكنه للوطن من حب وولاء، كانت المشاركة في احتفال السفارة مُلهمة، وبدافع وطني ومسؤولية أدركنا أهميتها، وقد عبَّرنا عن هذا الحب بالحوار مع الآخر بشفافية وعفوية، كما رقص السفير مبتهجاً والأعضاء على أنغام العرضة النجدية، و«شيلة» تراث الجنوب التي أبدع فيها الأعضاء الجنوبيون، وقد لامست كلماتها وألحانها شغاف القلب كما لو أننا كنا نستمع إليها ونتذوق كلماتها العذبة ولحنها الشجي، لأول مرة: قصر عالي فوق سطحه نوره والقمر فوق يشع بنوره / فاجتمع نور على نور يا حليل اللي سكن ديمة يرتجف قلبه لمبصر غيمة / من يخاف الغدر معذور عرفت قصة كلمات هذه الشيلة، وهي للشاعر عبدالله الشريف، من الأستاذ محمد عبدالله العمري، أحد المسؤولين عن الآثار والعاشقين للتراث، وهو من أعضاء مجموعة النخبة، وسأذكره كلما راقت لي كلمات شيلة جنوبية. نحن نحتاج بشدة إلى مثل هذه المشاركات الخارجية لنعكس صورة حقيقية عن وطننا وإشراقاته، فالعالم كما بدا لنا يجهل كثيراً من الأمور عنا وعن بلادنا. جهد يُشكر عليه أمين عام المجموعة الأستاذ راشد الزهراني، وكافة أعضاء المجموعة الأصفياء، الذين عكسوا الصورة الحقيقية للمثقفين والإعلاميين «المستشعرين» بمسؤولية الدفاع عن الوطن بالكلمات والمواقف.