يمشي بخطى من أنهكه الزمن متكئا على عصاه بين طاولات بهو الفندق الذي يضج بأصوات ضيوف معرض الكتاب، وكأنه يبحث عن ضالة لم ولن يجدها. يحمل بيده «كيساً» أبيض مهترئاً فيه بعض الكتب والأوراق والقصاصات التي كتبت عنه في الصحف. كل هذا قد لا يلفت انتباهك، غير أنك ستتوقف مليا إذا عرفت أنه السعودي الوحيد في هذا المكان الذي يلبس البدلة و»الكرافت» الحمراء، وحين سألناه عن سبب تمسكه بالزي، وهو الرجل النجدي القصيمي، ضحك وقال «أنا أوفر عليكم ماء وكهرباء الغسيل». صالح المنصور اسم غائب عن المشهد الثقافي السعودي، رغم أنه من يصنف من جيل الرواد ممن كانوا يتبنون الشعارات الشيوعية في الخفاء والعلن، يقول في جلسة قصيرة جمعتنا به على أنغام أغنية لفيروز تنطلق من جواله، «ما زلت أمقت الرأسمالية وأنشد العدل والمساواة». وعن غيابه عن المشهد اكتفى أبو نضال – كما يكنى – بالقول «احترم صحافتنا لكنها مختطفة»، وفي الشأن الشرق أوسطي يرى أن العرب خلقوا إيران عدوا وتسامحوا مع العدو الأول إسرائيل، رغم أن الدين يجمعنا مع إيران، ولا يجمعنا مع إسرائيل سوى الاحتلال. المنصور الشيوعي الأخير، كما وصفته رواية إبراهيم الوافي، دون الإشارة إلى اسمه، يؤكد أنه توقف عن رفع دعوى قضائية ضد الكاتب ولكنه سيرد عليه برواية أخرى اسمها «شيوعي من الرياض» قيد الكتابة. وفي نهاية الجلسة الجميلة، وزع علينا كرته المؤطر بالأحمر وفيه عرف عن نفسه «باحث في الفكر – ناشط في حقوق الإنسان – شاعر – كاتب – من مؤسسي نقابة العمال ومكتبة الحرية ونقابة أنصار المرأة – تحت التأسيس»، وكتب أخيرا «منسق خيري في الزواج الأعزب فقط». ويرمي خلف الكرت بعض القيم التي يتمسك بها فيقول «حرية التجارة تعني الفوضى والغلاء والتفاوت الطبقي والفقر والجرائم بأنواعها، نعم للجمعيات».