يجب ألا نتردد في وصف ناهض حتر الذي اغتيل أمام قصر العدل في العاصمة الأردنية – عمان – الأحد الماضي، بأنه كان مجرماً مع سبق الإصرار والترصد في تطاوله المستمر بسب الذات الإلهية، تعالى الله عن ذلك. ولكن علينا التأكيد في نفس الوقت أنه لا يجوز أن يقتل بهذه الطريقة حتى ولو استحقها شرعاً وقضاءً. هناك خلاف شرعي بين الفقهاء حول قتل ساب الذات الإلهية أو أي واحد من الأنبياء والرسل الكرام أو الأديان السماوية.. لكن على الأغلب أنه يستتاب ويعزر كما يرى ابن باز -رحمه الله-.. طبعاً هذا كما يبدو في حالة الشخص الذي يفعلها لمرة يتيمة وفي نطاق ضيق.. ولكن حالة حتر مختلفة.. فهو كاتب ينشر على الملأ، وله كرات ومرات جهاراً لا سراً في التطاول على الذات الإلهية والمقدسات الإسلامية! إن بعض الناس لديهم تعلق مرضي وشغف مفرط في جلب الأضواء ولفت الأنظار، حتى ولو كان لعباً بالنار كما يقولون.. ويبدو أن ناهض حتر هو من هذا النوع، الذي لم يحسب الظرف المكاني والزماني ملياً في استعراضه الأخير. فمن حيث المكان، هل يعقل أن يقول قوله وهو بين ظهراني مجتمع مسلم!. وأين في الأردن التي ينزع فيها المجتمع إلى العنف أحياناً في التعبير عن رأيه! أما من حيث الزمان، فالمنطقة كلها ملتهبة بأحداث ساخنة ومهيأة لأي تصرفات منفلتة من أي جهة أو طرف، خصوصاً عندما تحقق أبعادا رمزية مهمة لكسب الشارع في سباق التخندق والتحزب لطرف ضد آخر.. فلو أعلن داعش مثلاً أنه وراء هذه العملية، لربما كسب بعض النقاط في صالحه عند شريحة استفزها حتر كثيراً. إن حتر لم يكن فطناً للزمان والمكان فقط، بل كان تبريره واعتذاره عن الرسم الكاريكاتيري سيئاً ومبتذلاً بحجم فعلته. وأكاد أجزم لو أنه اعتذر بشكل حقيقي ولو كان مصدر أسفه الخوف، لربما عصم دمه من أن يتخطفه الناس في الشارع! أفلم يكن حتر وهو الكاتب المخضرم، مدركاً للآثار الوخيمة التي خلفتها حوادث التطاول على محمد صلى الله عليه وسلم والدين الإسلامي في الغرب خلال السنوات الماضية؟! هناك مثل أردني معبر جداً في حالة حتر، يقول: يرمي مجنون حجراً، فلا يستطيع ألف عاقل أن يخرجه! فمن الآثار التي أحدثها كاريكاتير حتر، هو تعزيز الشعور لدى الشارع المسلم سواء في المجتمع الأردني أو غيره بأن من يتطاول على قدس الأقداس، فإنه بطريقة أو أخرى سينفذ بجلده من العقاب الرادع.. وهذا ينشئ بلاشك التربة الخصبة للتطرف الفكري، والنزوع نحو تطبيق العدالة بشكل ارتجالي في ظل تضاؤل الثقة في الدوائر القضائية الرسمية. أما بالنسبة لأصداء وتعاطي الناس مع مقتل حتر، فلقد كانت على مستويين مختلفين: مستوى الخاصة، التي كان لافتاً فيها موقف بعض القنوات التلفزيونية والكتاب الذين صوروه على أنه قتيل الكلمة الحرة والرأي الفذ.. وهذا الحكم قولاً واحداً غير صحيح وغير عادل.. فما أقدم عليه في أسوأ الأحكام، يدخل في باب العلم الذي لا ينفع.. فكونك ملحداً أو تزدري الدين الإسلامي، فهذا شأنك إن كان إيماناً خاصاً بك. لكن ليس من حقك أن تستفز ملياري مسلم في العالم على الملأ. وأورد مروان الغفوري في مقاله «اللهو الخفي الذي قتل ناهض حتر» في مدونات الجزيرة، عدداً من أسماء ملاحدة من الأزمنة الغابرة عاشوا في المجمل مع الناس دون مشكلات كبيرة، وأنهم فقط قتلوا بتهمة الزندقة عندما تحدوا فقط السلطة. وهذا الكلام لو سلمنا به ابتداء، فيجب أن ننتبه للسياق الزمني.. فمهما بلغ أحدهم من شهرة واتباع في ذاك الزمن، فإنه لن يستطيع أن يصل لمدى انتشار الكتاب في هذا الزمن بسبب التطور التكنولوجي وتوسع وسائل الإعلام، هذا من جهة. وأما من جهة أخرى، فإن كثيرا من الملاحدة المعاصرين، عاشوا ولا يزال بعضهم يعيش في المجتعات العربية والإسلامية دون مشكلات حقيقية تذكر. بل إن كثيرا منهم كان متوافقا مع السلطة بل ويدعم المستبدين والقتلة كناهض حتر الذي يعد أحد أكبر داعمي بشار الأسد في الأردن. وبعضهم انتقل من الإلحاد إلى الإيمان وصرح بإلحاده السابق دون أن يلاحقهم أحد، مثل: عباس العقاد ومصطفى محمود.. فرمي المجتمعات الإسلامية أنها مرتع للتطرف هي فرية مردودة.. لكن في نفس الوقت كما هو مجرم أن تسب آباءنا وأمهاتنا، فإنه عقلاً يجب أن يكون محرماً ومجرماً أن تسب ما هو أهم من الخلق أجمعين وهو رب العزة والجلالة. أفلا يكتمل إلحادهم إلا أن يستهزئوا بمقدساتنا؟! أفلا يسع أدعياء العقل والفكر الحر من الملاحدة أن يأخذونا على قدر عقولنا ولا يستفزونا؟! أما المستوى الثاني في التعاطي مع مقتل حتر، فهو مستوى الجمهور في الشارع المسلم، الذي على ما يبدو أن قطاعا منه رحب بموته على أنه جزاؤه العادل أياً كانت الملابسات والحيثيات، حتى ولو خالفت أبسط شروط العدالة القضائية في الإسلام. وهنا أريد أن أنبه جمهور المسلمين بأن التطاول والتعدي على الذات الإلهية أو الرسل الكرام أو الأديان السماوية لن يتوقف.. وأدعوهم أن يطمئنوا إلى حكم الله تعالى فيهم «وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ».. وهذا الدين العظيم تعرض لمحن كبيرة وأزمات خطيرة واستمر في البقاء والانتشار. ولو كل كلب عوى ألقمته حجرا لصار الصخر مثقالا بدينار لكن من جهة أخرى.. أقولها بكل صدق إني أبرأ إلى الله من مقتل حتر.. ولو تمكنت من منع قتله بهذه الطريقة لفعلت.. ولو كنت حاضراً مقتله لأسعفته.. يقول سبحانه وتعالى «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا . اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ». لكن لو صدر فيه حكم شرعي أيا كان مصيره ويتوافق مع رأي قضاة ثقاة عدول، فإني سأكون أول المؤيدين له. لقد كان حتر مخطئا عندما تطاول على الذات الإلهية.. ومتهوراً عندما وضع نفسه موضعاً خطيراً.. ومحرضاً عندما أشعل مجتمعاً كاملاً حنقاً وغضباً.. لكن أؤكد مرة أخرى، بأنه لا يستحق القتل بهذه الطريقة فضلاً عن القتل نفسه. والأحرى أنه لو عزر به لسنوات محدودة لربما ارتدع هو واتعظ غيره. بيد أن يديه أوكتا وفاهُ نفخ، فسبق السيف العذل!